استعرت عنوان مقالي من عنوان كتاب كتب باللغة الإيطالية عن الاب المناضل مانويل مسلم، حيث تم الاحتفاء امس في مدينة بيرزيت بمرور ستين عاما (اليوبيل الماسي) على انخراط المونسنيور مانويل في الميدان الكنسي، وأيضًا بذكرى عيد ميلاده الخامس والثمانين. والعنوان يعكس حقيقة جهنم الاستعمار الإسرائيلي، وعذاب ومكابدة الاب مسلم والشعب العربي الفلسطيني، ورغم اني لم اقرأ الكتاب، ولا حتى لمحة عن محتواه. لكني من عنوانه أيقنت، أنه عرض الظلم التاريخي الذي عاشه ابن الشعب البار المقاوم مانويل على مدار عقود النكبة السابقة، ومن خلال عرض تجربته عرض الكتب تجربة جرائم الحرب الإسرائيلية الدامية.
والحديث عن الاب الصديق مانويل ذات شؤون وشجون، فهو رجل من طراز مختلف ومتميز بخصاله وشجاعته في الدفاع عن الشعب والوطن والمقاومة، وهو الذي مزج بشكل مبدع بين الدين والمقاومة، وتقمص روح الفدائي الأول، السيد المسيح عليه السلام، الذي نهض من بين انياب الصلب اليهودي، وصعد الى السماء عند رب الكون ليمجد بقاء الكلمة المقاومة بين اتباع الديانة المسيحية عموما وأبناء شعبه الفلسطيني خصوصا. وكرس أبونا مانويل تجربته في مقارعة الاستعمار الإسرائيلي بعضاته وخطبه وكتبه الدينية والوطنية، ورفض عزل الدين عن المقاومة، وتمثل روح الشهيد الراحل المطران كبوجي، وكل الرهبان والقساوسة الابطال في العالم وخاصة في اميركا اللاتينية.
المناضل مانويل الذي جال ربوع الوطن من غزة الى الزبابدة وجنين والجليل، كان اول من رفع العلم الفلسطيني في مدينة جنين غراد بعد الاحتلال الإسرائيلي في العام 1967 وعلى مرآى الحاكم العسكري الاسرائيلي واركانه، وهو صاحب الباع الطويل في العمل الميداني، حيث كرس حياته للم الشمل الفلسطيني بين كل الوان الطيف السياسي والاجتماعي والديني، مؤكدا على أهمية واولوية الوحدة الوطنية، التي دافع عنها باقتدار، وعن خيار المقاومة دون تردد، او وجل او خشية من احد، وتصدى بثبات المقاتل الفلسطيني لكل من حاول اعتراض طريقه ورؤيته. لانه كان عميق الانتماء لخياره السياسي والكفاحي.
كما انه اسهم اسهاما جليا في ترسيخ العلم بين أبناء الشعب مسيحيين ومسلمين، ولم يميز يوما بين انسان وانسان الا بمدى انتمائه للوطن. وكان من خصاله المميزة والمحببة جمع العديد من النخب السياسية والدينية في بيته في بيرزيت في شهر رمضان المبارك، حيث كان يقيم إفطارًا سنويا بهدف تعميق الأواصر الأخوية والوطنية بين أبناء الشعب الواحد. وجعل من بيته حيث مسقط رأسه منارة ومنبرًا وجامعًا لكل الفلسطينيين الشرفاء.
كان الاب مانويل متمردا وعنيدا بطبعه، وحامل عصا الكهنوتية والوطنية في آن، ولابس الثوب الديني وروح المقاومة في نفس الوقت، وتعمد بروح الكفاح منذ كان طفلاً صغيرًا حين ادرك وحشية الاستعمار الصهيوني، ورأى بأم عينه الويلات والمصائب التي عاشها أبناء شعبه قبل النكبة وبعدها وخلال مسيرة حياته الممتدة على العقود التسعة الماضية، مما زاد وعمق يقينه الكفاحي في الدفاع عن حقوق وثوابت الشعب وعن منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد.
تختلف معه، وتتباين في وجهات النظر في قضايا عديدة. ولكن لا تختلف معه على أهمية تصعيد المقاومة، ومواجهة الاحتلال الصهيوني البغيض، ولا تختلف على اصالته الوطنية. ولهذا كرمه سيادة الرئيس محمود عباس اول امس بوسام نجمة القدس الرفيع تقديرًا لجهوده وعطائه الوطني والكفاحي، وكرمته القيادة الفلسطينية امس بالمشاركة في عيد ميلاده الخامس والثمانين ومرور ستين عاما على انخراطه في العمل الكنسي، حيث شارك العديد من أعضاء اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير والمركزية لحركة فتح والوزراء والعديد من النخب السياسية والثقافية والإعلامية والاجتماعية والدينية والدبلوماسية ورئيس الوزراء د محمد اشتيه وفاءا وتقديرا من كل الذين شاركوا لشخص الراهب الذي شاركهم وعاش بينهم وعانى معاناتهم، ولكونه مازال يحمل راية المقاومة حتى طرد وكنس الاستعمار عن فلسطين والقدس العاصمة الأبدية حاضنة المسجد الأقصى وكنيسة القيامة.
طوبى للأب مانويل المقاتل الشجاع، وطوبى لرجل الدين المناضل الوطني، وطوبى لايقونة التسامح وجامع الشمل الوطني، وكل عام وهو بخير، راجيًا له طول العمر.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها