لست من أنصار نظرية المؤامرة، ولكن تسريب 100 وثيقة من وثائق وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" في هذا التوقيت هو أمر يثير الريبة، سواء كان الطرف المسرب هو الوزارة ذاتها، بمعنى الدولة الأميركية ذاتها، او إذا كان جاسوسا ام موظفا ساخطا كما اشارت بعض وسائل الاعلام الأميركية. والسبب من وراء هذه الريبة ان الوثائق تتعلق بأمور وأحداث تجري حاليا في العالم لذلك خطرها اكبر ووقعها على السياسة والمجريات العسكرية والأمنية ثقيلا. وقد يكون الأمر محرجا لواشنطن، فالوثائق المسربة هي من اهم واعلى مؤسسة امنية، ولكن حرجها اكبر للدول التي طالتها هذه الوثائق لانها كشفت كم هذه الدول محترقة.
وبغض النظر عن مدى صدقية ما تم تسريبه، فإن الوثائق كشفت عن قدرة اميركية لاختراق مؤسسات الدول والاطلاع على أسرارها وشؤونها الداخلية وعلاقاتها الخارجية المعلن منها والمخفي. والأغرب ان هذا التسريب يتضمن رسائل او ما يشبه التحذيرات والانذارات للدول الاخرى وحتى الدول التي تعتبر صديقة للولايات المتحدة الأميركية، إسرائيل، كوريا الجنوبية، الإمارات العربية، مصر وغيرها من الدول، فقد اشارت بعض الوثائق الى ان هذه الدول الصديقة تقوم بأعمال وتحركات سرية تتناقض وهذه الصداقة والتحالف، مما قد يؤكد ان تسريبها مقصود رسميا حتى لو ادعت واشنطن غير ذلك، وهنا يكمن لغز التوقيت.
لذلك يبرز السؤال، لماذا التوقيت هو السر في كل ما جرى؟ للاجابة علينا ان نلاحظ ان العالم يمر بمتغيرات قد تحدث انقلابا في النظام الدولي الذي لا تزال الولايات المتحدة تتحكم به اكثر من غيرها فمضمون الوثائق المسربة يشير الى ان واشنطن تراقب عن كثب العلاقات السرية التي تشي بالميول الجديدة في العلاقات الدولية، على سبيل المثال العلاقات الامنية المتعززة بين اجهزة امن دولة الامارات العربية واجهزة الامن الروسية، كذلك قصة الصواريخ التي تزود بها مصر روسيا. ونفت القاهرة امرها تماما. وهناك تسريبات توحي بمدى سطوة واشنطن على المعلومات وقدرتها على اختراق اعتى الاجهزة الامنية، كما هو حال الموساد الإسرائيلي، الذي قالت وثائق وزارة الدفاع الأميركية انه يشجع الإسرائيليين على الاعتراض على القوانين التي تحاول حكومة نتنياهو إقرارها لإصلاح القضاء، الى جانب اختراق وزارة الدفاع الروسية ومجموعة فاغنر العسكرية الروسية، بالاضافة الى اختراق وزارة الدفاع الاوكرانية.
مئة وثيقة كانت كافية لتوجيه واشنطن رسائلها لمن يهمه الامر هذا من جهة، ومن جهة ثانية اظهار كم هي على اطلاع على كل ما يجري في العالم. هذه التسريبات تظهر مدى قوة الولايات المتحدة، لكنها تكشف عن مدى تخوفها من المتغيرات التي تشهدها الساحة الدولية. لذلك لا يمكن الجزم ان ما تم هو مخطط له اميركيا او ان هناك من يريد ان يقول لها انك لست وحدك من يمكنه اختراق اجهزة ومؤسسات الاخرين، ولعل القدرة على الاجابة على سؤال من المستفيد اكثر من التسريبات، حتى اللحظة تبدو ان واشنطن هي المستفيد، فهي بطريقة غير مباشرة حملت العصا الغليظة لاصدقاء كما للاعداء، ستبقى هذه الاحابة صحيحة حتى يثبت العكس وبظهر الطرف المسرب عندها سنقول ان الولايات المتحدة هشة مثلها مثل غيرها، وكما يقول المثل الشعبي "ما حدا كبير".
بالتأكيد بعد ايام او أسابيع ستتكشف الامور وعندها سيصبح الامر أكثر وضحا لذا ما كانت واشنطن تتآمر ام ان المؤامرة وقعت عليها. الشاعر العربي العبقري والحكيم طرفة بن العبد قال "ستبدي لك الايام ما كنت جاهلا"، لذلك فان ما هو مخفي اليوم سنعرفه غدا.
المصدر:الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها