انعقد المؤتمر السنوي الرابع لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي تحت عنوان "فلسطين 2025 الكينونة وتجسيد قيام الدولة"، كحدث يُجسد أهمية الدراسات الاستراتيجية في دعم القضية الفلسطينية. لقد مثل المؤتمر بجلساته التسعة فرصة فريدة لجمع نخبة من الأكاديميين والسياسيين والمفكرين لتبادل الأفكار، واستكشاف التحديات التي تواجه شعبنا الفلسطيني، واقتراح حلول عملية أمام صناع القرار.

يأتي هذا المؤتمر في مرحلة فارقة، حيث تشتد التحديات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية على المستوى المحلي بالمنطقة والإقليمي والدولي كما وسرعة المتغيرات بالنظام الدولي على أثر صعود قوى الصين وروسيا والتحالفات الاقتصادية والسياسية الجديدة في وجه الهيمنة الأميركية، الأمر الذي يجب الاستفادة منه والبناء عليه كما تعزيز التواصل مع كافة القوى الشعبية التقدمية حول العالم. وفي خضم هذه التحديات، يؤكد انعقاد المؤتمر أهمية التفكير الاستراتيجي والعمل الجماعي لإيجاد حلول عملية تستند إلى تحليل دقيق للواقع واستشراف المستقبل.

- أهمية انعقاد المؤتمر:

لا يمكن إنكار الدور الذي تلعبه مراكز الأبحاث كمحركات للفكر السياسي والاستراتيجي، ومعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي يُعد نموذجًا رائدًا في هذا المجال كما لغيره من مراكز الأبحاث الوطنية. فقد استطاع المعهد عبر استدامة انعقاد هذا المؤتمر سنويًا أن يُبرز أهمية المعرفة المدروسة كأداة أساسية في مواجهة التحديات الوجودية التي تعصف بالقضية الفلسطينية.

المؤتمر ركز على قضايا جوهرية مثل تعزيز الهوية الوطنية وحدة ووحدانية دور منظمة التحرير كمظلة وطنية جامعة مع ضرورات الإصلاح بمؤسسات النظام السياسي كمطلب وطني خالص وفق أسس ديمقراطية واسعة تضمن التشارك والمشاركة، ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي، ودور القانون الدولي في محاسبة مجرمي الحرب. كما ناقش القضايا الديموغرافية والاقتصادية، مُسلطًا الضوء على أهمية بناء استراتيجية تنموية مقاومة ترتكز على الزراعة والصناعة كأركان للاستقلال الاقتصادي والانفكاك عن الاحتلال. هذه المحاور لا تعكس فقط التنوع الفكري الذي احتضنه المؤتمر، بل تعكس أيضًا إيمان المشاركين بضرورة بناء رؤية شاملة تعزز  الهوية والكيانية الفلسطينية المستقلة في مواجهة سياسات الاحتلال التدميرية.

- أهمية التوصيات الصادرة عن المؤتمر:

تُعد التوصيات التي خرج بها المؤتمر بمثابة خارطة طريق لصناع القرار الفلسطيني، حيث ركزت على:

- أولاً: تعزيز الكيانية الوطنية من خلال التمسك بالثوابت الفلسطينية ووحدة كفاح شعبنا ورفض الاصطفافات السياسية التي تضر بالمصلحة الوطنية.

- ثانيًا: تطوير أدوات المقاومة بما يتناسب مع الظروف الموضوعية والذاتية بما يعزز حماية شعبنا، خاصة المقاومة الشعبية السلمية التي تُعتبر أداة فعّالة لتعزيز الصمود.

- ثالثًا: تعزيز العمل الدبلوماسي والقانوني من خلال استثمار الإنجازات القانونية التي حققتها فلسطين في المحافل الدولية، وتعزيز دور المحاكم الدولية في محاسبة الاحتلال.

- رابعًا: تعزيز الاقتصاد الوطني بالتركيز على الزراعة والصناعة المحلية لفك الارتباط مع الاقتصاد الإسرائيلي وتطوير أشكال الاقتصاد المقاوم.

هذه التوصيات تعكس أهمية الفهم العميق للواقع المحلي والدولي كما رسمها المشاركين في المؤتمر والأوراق البحثية، التي أكدت على ضرورة العمل بخطوات مدروسة لتحقيق الأهداف الوطنية السياسية والحقوقية والتاريخية لشعبنا غير القابلة للتصرف.

- دور معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي:

يمثل المعهد منصة هامة لتقديم دراسات معمقة ورؤى استراتيجية تخدم القضية الفلسطينية ومسيرة النضال الوطني، من خلال تنظيم مثل هذه المؤتمرات، يساهم المعهد في خلق مساحة لتبادل الآراء بين الأكاديميين والسياسيين، وهو ما يُثري عملية صنع القرار التي يتوجب أن يستفيد منها المسؤولين السياسيين كل في موقعه. كما يعزز المعهد أهمية توظيف البحث العلمي في تقديم بدائل عملية أمام صناع القرار، مما يساهم في توجيه الجهود الوطنية بشكل أكثر فعالية.

- أهمية الدراسات والاستخلاصات:

إن القوة الحقيقية لأي حركة تحررية تكمن في قدرتها على فهم الواقع واستشراف المستقبل. ومن هنا، تأتي أهمية الدراسات والأبحاث التي تُقدمها مراكز الفكر والدراسات. إذ أنها لا توفر فقط بيانات وتحليلات دقيقة، بل تساهم أيضًا في خلق إطار فكري يساعد على بناء استراتيجيات طويلة الأمد.

المؤتمر السنوي الرابع لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي يُبرز أهمية هذه الدراسات والاستخلاصات، حيث جمع بين رؤية واقعية تستند إلى التحليل، وتطلعات مستقبلية تسعى إلى تحقيق الكرامة والحرية والاستقلال الوطني الديمقراطي للشعب الفلسطيني.

- نحو رؤية استراتيجية موحدة:

يُعد هذا المؤتمر خطوة هامة نحو تعزيز الوحدة الوطنية وصياغة رؤية استراتيجية متكاملة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية بما لها من مكانة على المستويات كافةً. إنه يُظهر أن العمل الجماعي المبني على دراسات علمية وأفكار متنوعة هو السبيل الأمثل لمواجهة التحديات. كما يُبرز الدور الذي يمكن أن تلعبه مثل هذه المؤتمرات في توجيه السياسات وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال وما يرتكبه من جرائم الاقتلاع العرقي والإبادة الجماعية والتجويع والتهجير في محاولة وصوله لتنفيذ المشروع الصهيوني الكولنيالي التوراتي بشراكة أميركية متكاملة الأوجه والمحددات.