لبّيتُ دعوة الصّديق الباحث والمترجم د. يوني مندل، يوم الجمعة 20 كانون الثاني 2023 للقاء في "معهد فان لير" في القدس الغربيّة، مع عشرات المترجمين من أسرة "مكتوب" ومنتدى المترجمين الذين شارك بعضهم بترجمة 18 قصة مختارة من قصصي التي سوف تصدر قريبا في كتاب عن دار نشر "برديس ومعهد فان لير" بعنوان "وزارة المسخوطين" (بالعبرية: "לשכת המקוללים") وهو ترجمة غير حرفيّة لقصّتي "المسخوط".

تبادلتُ حديثا شائقا مع الأديبة د. راوية بربارة والباحث د. عامر دهامشة في أثناء سفرنا في سيّارة الأجرة من الجليل إلى القدس وتناولنا فيه البحث المثير الذي أنجزه د. دهامشة عن أسماء الأماكن ومواقع الأراضي في مدننا وقرانا العربيّة الذي يؤكّد علاقة الفلسطينيّ بالأرض التي أنسنها.

لا بدّ لي من أن اشير إلى علاقة صداقة وتقدير ربطتني بالدّكتور يهودا شنهاف – شهرباني رئيس تحرير مشروع "مكتوب" فقد ترجم من نتاجي قبل سنوات فصلا من سيرتي الذّاتيّة بعنوان "زمن الطّفولة الضّائعة" كما ترجم من قصصي قصة "البيت الآخر" وقصة "جريمة قتل"، ود. شهرباني شخصيّة ثقافيّة مرموقة تدعم حقّ الشّعب الفلسطينيّ بالحرّيّة والاستقلال كما تدعم المواطنين العرب في إسرائيل بمطلبهم العادل بالمساواة.

تربطني أيضا علاقة صداقة مع نائبه د. يوني مندل صديق شعبنا وأدبنا وحضارتنا، بدأت قبل سنوات بفضل اهتمامه بالأدب الفلسطينيّ وقد ترجم لي قصّة "الشّتيمة" وراجع المجموعة القصصيّة التي سوف تصدر بالعبريّة، وأرجو أن تتطوّر هذه العلاقة لمصلحة الأدب والسّلام.

تضمّ جماعة المترجمين العشرات من عشّاق الأدب العربيّ، يهودا وعربا، الذين يعملون بمهنيّة رفيعة، ومنهم المخضرمون والمعاصرون الذين ترجموا أعمالا أدبيّة فلسطينيّة مثل روايات جبرا إبراهيم جبرا وإميل حبيبي وإبراهيم نصرالله ومذكّرات خليل السّكاكينيّ وأشعار محمود درويش وقصص محمود شقير والرّسائل بين الشّاعرين محمود درويش وسميح القاسم التي أطلقتُ عليها "رسائل بين شطريّ البرتقالة".

قدّمتُ في أثناء اللقاء مداخلة قصيرة عن علاقتي بالتّرجمة وعن أهميّة ترجمة الأدب الفلسطينيّ إلى العبريّة كي يعرف القارئ اليهوديّ الإسرائيليّ جاره الفلسطينيّ إنسانا وطبيبا وشاعرا وفنّانا وأديبا وموسيقيّا وعاملا وفلّاحا وطالبا ورياضيّا وعاشقا للحريّة وليس كما قدّمه منذ مئة عام الإعلام الإسرائيليّ متخلّفا قاتلا مجرما.

الشيء الذي أحبه وأقدره في سلسلة "مكتوب" هو رسالتها السياسية والأخلاقية التي تعتبر الترجمة فعل مقاومة وتحاول من خلالها كسر الأفكار النمطية والاستشراقية التي تكرست وسط الجمهور الإسرائيلي. فبواسطة الأدب نستطيع أن نحكي قصتنا لهذا الجمهور وأن نمرر ما لا نستطيع تمريره بالوسائل العادية المتاحة أمامنا.

تابعتُ باهتمام المداخلتين اللتين قدّماها د. بسمة فاهوم ود. دوتان هليفي عن ترجمتهما لقصّتي "العلم" التي كتبتها في العام 1982 وظهرت في مجموعتي "وردة لعيني حفيظة" وبرز في مداخلتيهما وفي مشاركات الحاضرين صعوبة التّرجمة ودقّتها وإخلاص المترجم للنّصّ وتفاعله معه.

أعادتني قصّة "العلم" ونقاش المترجمين أربعة عقود إلى الوراء عندما كانت أجهزة الأمن تلاحق كلّ فلسطينيّ يرفع علم شعبه أو يرسمه أو يقتنيه أو يتماهى معه وتعتقله وتقدّمه إلى القضاء فالسّجن إلى أن صار العلم واقعا معترفا به بعد اتّفاق أوسلو، وصار السّادة رابين وبيريس ونتنياهو وشارون وأولمرت يقفون أو يجلسون في مكاتبهم في خلال لقاءاتهم مع المسؤولين الفلسطينيّين والعلم الفلسطينيّ يخفق فوق رؤوسهم، ولكن بن غفير وحكومة اليمين الفاشيّة أعلنت عداءها للعلم، الذي يعني عداءها لوجود الشّعب الفلسطينيّ، وقرّرت أن تعيدنا عقودا إلى الوراء، وكأنّنا يا بدر لا رحنا ولا جينا.