تحقيق: ولاء رشيد
نظراً للمكانة والدور المهم الذي يؤديه الكتاب في صقل شخصية الفرد ونهضة الشعوب كان تأسيس مكتبة الشهيدة "هدى شعلان" في مخيم عين الحلوة وذلك افساحاً في المجال أمام الراغبين من الطلاب والشباب في المطالعة واجراء البحوث المدرسية.
هذه المكتبة التي انطلقت بدايةً بهدف إحياء ثقافة القراءة والكتابة ما لبثت ان وسّعت خدماتها لتشمل برامج هادفة هي التدعيم الدراسي، ومحو الأمية، والأنشطة الترفيهية حتى باتت تستقطب الطلاب والتلاميذ من مختلف الشرائح العمرية الذين وجدوا فيها الملاذ لممارسة هوايتهم في المطالعة والتعبير عن آرائهم ومواهبهم.
نحو إعادة المكانة المفقودة للكتاب
تأسّست مكتبة الشهيدة "هدى شعلان" في العام 2003 بدعم وتمويل من منظمة اليونيسيف، وجاء هذا التأسيس بحسب أمينة سر المكتبة هدى سليمان "بهدف ايجاد مكتبة تضم كتباً متنوعةً تستهدف مختلف المراحل الدراسية في وقت كانت فيه الكتب الموجودة في المكتبات العامة في المخيم آنذاك تقتصر على تلك المخصّصة للأطفال. واليوم تضم مكتبة الشهيدة هدى شعلان كتباً متنوعة من قصص الأطفال والموسوعات وكتب الفلسفة والسياسة والاجتماع والمعلوماتية والأدب والشعر والسير الحياتية، ومجمل هذه الكتب باللغة العربية باستثناء عدد محدود بالانكليزية، وهي بمعظمها تقدمة من اليونيسف ما عدا بعض الكتب التي لم يتم تزويد المكتبة بها رغم طلبي لها، لذا قمتُ بجلبها عبر مموّلٍ سرلنكي من المتضامنين مع الفلسطينيين، وكان بينها "الانسيكلوبيديا" الخاصة بفلسطين والتي كان سعرها 400 دولار آنذاك، وعدة كتب تحتاجهم المكتبة وهذه الوحيدة التي اخترتها بالمكتبة".
وتضيف "تشهد المكتبة إقبالاً واسعاً من الطلاب من مختلَف المراحل الدراسية وحتى الجامعية، ومنهم من يقصد المكتبة بغرض استعارة الكتب، وهي خدمة مجانية، في حين يلجأ اليها آخرون وخاصة من ثانوية بيسان بهدف اجراء بحوث مدرسية عن شخصيات او مواضيع معينة، لدرجة ان الطلاب احياناً يتزاحمون على كتب معيّنة تكون النسخ منها محدودة في المكتبة".
وتردف سليمان "ومع ذلك فإننا نتمنّى ان يكون الاقبال على المطالعة أكبر من ذلك، إلا أن ثورة التكنولوجيا والمعلوماتية كان لها أثر سلبي على الاقبال على الكتب رغم أهميتها، حتى بتنا نشعر ان الكتاب يتجه الى الاندثار. فالكتاب اليوم إلى جانب كونه غذاءً للروح والعقل، فهو يوفّر مصدراً موثوقاً للمعلومات كونه يخضع للتدقيق والرقابة والمراجعة، بعكس المعلومات التي يحصل عليها التلاميذ من المواقع الالكترونية الموجودة على شبكة الانترنت لانها في كثير من الاحيان تكون مغلوطة او غير دقيقة بحكم انها لا تخضع للمراجعة. وفوق ذلك نجد ان معظم التلاميذ الذين يُكلَّفون بأبحاث مدرسية يلجؤون الى الانترنت ويكتفون بالقص واللصق من المواقع بدون التمعّن بقراءة الموضوعات، رغم ان الغاية من هذه البحوث هي زيادة معارفهم واغناء معلوماتهم.
كما تلجأ أحياناً بعض ربات البيوت لاستعارة القصص او قراءتها ولكن اقبال هذه الفئة لم يصل بعد للحد المطلوب. لذا رسالتي الأهم هي للأم والمرأة بشكل خاص، فعندما تحمل الام كتاباً بعد انهاء واجباتها المنزلية والعائلية فإن طفلها سيتأثر بذلك وسيحمل الكتاب ويشعر بقيمته، وبدورها ستكون أكثر قدرة على تعليم أطفالها وتثقيفهم، ولو أن كل امرأة وفتاة حملت كتاباً في حقيبتها تقرأ فيه كلما سنحت لها الفرصة فإن ذلك سيزيد من ثقافتها واطلاعها ويعزز مكانتها في المجتمع".
الربطٌ بين موارد المكتبة وبرامجها
"هناك تكامل بين ما توفّره المكتبة من كتب وبين البرامج التي ننفّذها ضمن المكتبة. فالكتب الموجودة لدينا على اختلافها توظَّف بذات الوقت لدعم البرامج والأنشطة التي ننفّذها كالتدعيم الدراسي"، تقول سليمان، وتردف موضحةً "تستخدم معلّماتنا هذه الكتب لمساعدة الطلاب في حل سؤال معيّن اوتنمية مهارة معينة او بحث مطلوب للمدرسة وغيره، وهناك أنشطة مكتبية متنوعة تجريها المعلمات بطرق مبتكرة غير تقليدية تهدف لتشجيع الأطفال على ارتياد المكتبة والاقبال على الكتب، وهي في الوقت ذاته تنمي المهارات الفكرية والحسية والادراكية للأطفال، كما تعزز لديهم السلوك السوي والقيم والمبادئ التي يستشفونها من شخصيات القصص خلال مناقشتهم فيها. وفوق ذلك نلجأ للكتب كنوع من تعزيز المهارات في اللغة العربية ولا سيما القراءة والكتابة والاستماع خاصةً اننا نكلّف الطلاب الملتحقين لدينا بإعداد تلخيص للقصص او كتابة مواضيع انشائية وغيرها تبعاً للفئة العمرية، وقد لاحظت على مدى فترة 14 عاماً من عملي كأمينة مكتبة ان معظم الطلاب يواجهون مشكلات في كتابة المواضيع الانشائية وهذا عائد لعزوفهم عن القراءة وقلة مفرداتهم وعدم ممارستهم الكتابة بشكل متواصل".
وتوضح سليمان أن "برامج المكتبة تتضمّن التدعيم الدراسي، ومحو الأمية، والأنشطة الترفيهية، وهي برامج مجانية تموّلها اليونيسف التي تتكفّل بدفع رواتب المعلمين فيما يتكفّل الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية فرع لبنان بكلفة الاحتياجات اليومية، أو تغطية بعض الأنشطة كالأشغال اليدوية ومعظمها مصنوعة بطريقة إعادة التدوير، وسيكون هناك معرض لعرضها قريباً، الى جانب تزويد جمعية "War Child" المكتبة بالتجهيزات والقرطاسية".
وتستهدف هذه البرامج حوالي 102 من الطلاب والطالبات هذا العام، وتضيف سليمان "هناك عدة مراكز للتدعيم الدراسي، وكانت الاونروا قد وزعت لائحة بالمراكز المعتمَدة بحيث يلتحق الطالب بالمركز الاقرب لمكان سكنه او مدرسته حفاظاً على سلامة الطلاب، ولكن بحكم موقعنا القريب الى تجمّع المدارس كان لنا النصيب الاكبر من الطلاب، ولهذا لم نعد قادرين على استيعاب المزيد لأننا لا نُعنى بالعدد بقدر ما نعنى بجودة التدعيم الذي نقدّمه، فالعدد الكبير لن يمكننا من استهداف كل طالب فردياً ومعالجة مشكلته الخصوصية ومتابعة حالته مع المدرسة والمعلمين والأهل بشكل فردي، حيث أن لكل طالب سجلاً تراكمياً لدينا".
وتزيد "من جهة ثانية بحكم متابعتنا للطلاب تمكّنا من ملاحظة بعض الحالات التي تعاني احوالاً معيشية صعبة، وبالتالي قمنا بالمساهمة في حل جزء من مشكلاتهم الاجتماعية والاقتصادية عبر اتحاد المرأة. هذا إلى جانب قيامنا خلال الاعياد بتوزيع ملابس للاطفال".
التدعيم الدراسي
يعدُّ برنامج التدعيم الدراسي لدى مكتبة الشهيدة "هدى شعلان" ناجحاً جداً بشهادة معلمي المدارس ومنسقي البرنامج في عين الحلوة، وضمن هذا البرنامج يتم استهداف الطلاب والطالبات في مدارس الأونروا من الصف الثاني الابتدائي وحتى الخامس الابتدائي، ضمن دوامين، صباحي للطلاب الفلسطينيين القادمين من سوريا، ومسائي للطلاب الفلسطينيين الملتحقين بالدوام الصباحي، ويتم عقد اجتماعات دورية بين القائمين على البرنامج من المعلمين وبين المعلمين في المدارس وأهل الطلاب للوقوف على المستوى الدراسي للطلاب ومدى تطوره.
وحول أبرز المشكلات التي تعترض المعلّمين ضمن هذا البرنامج يقول الاستاذ محمد اسدي: "نُفاجأ بأن بعض الطلاب يجب اخضاعهم لبرنامج محو الأمية. فعلى سبيل المثال لدينا طالب ملتحق بالبرنامج منذُ أكثر من شهر ولا يملك أدنى معرفة عن الاحرف الهجائية العربية او الارقام رغم أنه تلميذٌ في الصف الثالث في احدى مدارس الأونروا، وذلك يعود لصعوبات تعليمية عند الطالب اقترنت مع غياب الاهتمام الكافي من الأهل"، منوّهاً الى عوامل أخرى أدّت لتزايد مشكلات الطلاب عموماً على المستوى الدراسي والسلوكي ترتبط بالبيئة المحيطة والأحداث الأمنية التي تلم بالمخيم من وقت لآخر.
ويختم بالقول: "هناك العديد من قصص النجاح لدينا التي كان للأهل فيها الدور الأساسي رغم انهم كانوا أُمّيين، وذلك لانهم زرعوا في ابنائهم اهمية التعليم، وحرصوا على الحاقهم ببرنامج التدعيم ومتابعتهم واعطائهم الاهتمام الكافي. ونحن بدورنا نحرص دائماً على توعية الأطفال لأهمية اكتساب المعارف الأساسية من قراءة وكتابة كونها مطلبا ًاساسيا في اي نوع من انواع العمل، وتوفر مانعة لئلا يتم استغلالهم بأي شكل من الأشكال".
بدورها ترى المعلمة هنادي عبد القادر أن أبرز المشكلات الدراسية لدى الطلاب هي في الأصل مشكلات ناجمة عن التأثر بالظروف والبيئة المحيطة، وتضيف "لاحظنا لدى الطلاب الفلسطينيين القادمين من سوريا بعض مظاهر الفوضى والعنف، إلى جانب عدم اتقانهم المهارات التعليمية الأساسية من قراءة وكتابة ما جعلنا نبدأ معهم بمحو الامية في اللغتين العربية والانكليزية. كما لمسنا لدى بعضهم قلة دافعية تجاه التعليم، وذلك بحكم ظروفهم الاجتماعية وعدم متابعة أهاليهم لهم".
وتشاطر المعلمة ندى عبد الغني زميلتها الرأي، ولكنها في الوقت ذاته تنوّه للعديد من قصص النجاح لدى الطلاب ضمن برنامج الدعم الدراسي، وتفصّل بالقول: "بشرى وراما تلميذتان ملتحقتان ببرنامج الدعم الدراسي لدينا، وهما فلسطينيتان قدِمتا من سوريا، وكانتا تدرسان ضمن الدوام المسائي في مدارس الاونروا، وبعد ان اظهرتا تحسُّناً ملحوظا تم دمجهما ضمن الدوام الصباحي في مدارس الاونروا وتميّزتا بين الطلاب في الدوام الصباحي حتى أصبحتا تنافسان اقرانهما وهذا يعود لاهتمام اهاليهما بهما".
أمّا المعلّمة هزار رحمة فتؤكّد أن أبرز العوامل المؤثرة على تحصيل الطالب هي الجو الأسري وغياب اهتمام بعض الأهالي بالجانب التعليمي لاطفالهم، وتوضح ذلك قائلةً: "وسط قصص النجاح المتعددة، نجد ان اولئك الذين لم يظهروا تحسناً كان اهمال اهلهم بمتابعتهم دراسياً السبب وراء ذلك، في الوقت الذي كنا نعمل فيه طاقتنا لبناء بعض المهارات لدى ابنائهم من الصفر".
وتضيف "هناك بعض الحالات التي يكون سبب تدني التحصيل فيها عائداً لمشكلات صحية او نفسية او صعوبات تعليمية، ولدى ملاحظتنا أيّاً من هذه الحالات يتم احالتهم إما لمركز الاستماع ضمن روضة الشهيدة هدى شعلان وذلك لتقييمم حالتهم واحالتهم على طبيب نفسي، أو للمركز الموجود في الهمشري للصعوبات التعلمية حيث يتولّى الاخصائيون تقيم حالتهم ومتابعهم".
وتشير أمينة المكتبة هدى سليمان الى قيام المكتبة على مدى عامين ببرنامج دعم دراسي لحوالي 70 طالباً وطالبة سوريي الأصل وذلك لحمايتهم من البقاء في الشوارع، بعد رفعها المشروع والموافقة عليه من اليونيسف، منوّهةً إلى أن جميع هؤلاء الطلاب اصبحوا اليوم ملتحقين بالمدارس الرسمية.
محو الأمية
يستهدف صف محو الأمية الفئة العمرية ما بين 8 إلى 14 عاماً، وهم بمعظمهم طلاب تسرّبوا من المدارس في عمر مبكر جداً، ولم يكتسبوا ادنى مهارات القراءة والكتابة والحساب، ويتم استقطابهم عبر زيارات منزلية من قِبَل القيّمين على البرنامج لاقناعهم بالالتحاق بالبرنامج.
وحول تفاصيل ذلك توضح معلمة محو الأمية تنمية شعبية فوزية بشير "عندما نعلم بوجود اطفال متسرّبين من المدارس نجري لهم زيارت منزلية ونحاول اقناعهم بالانتساب لبرنامج محو الأمية وذلك عبر توعيتهم لأهمية التعليم وضرورته لسوق العمل وبناء الأسرة، وللأسف اننا نجد انفسنا احيانا مضطرين بداية لاقناع الأهل بأهمية التعليم لأن بعض الأهالي لا يولون التعليم اهمية فيُقنِعون الفتاة بأن مصيرها لبيت الزوجية والفتى بأن عليه الدخول لسوق العمل في عمر مبكر".
وتضيف "معظم الملتحقين بالبرنامج كانوا لا يعرفون الأبجدية، غير ان العديد منهم اثبتوا انفسهم واحرزوا تقدماً لا بأس به سواء على الصعيد الدراسي او السلوكي، وأصبحوا اليوم ملتحقين بسوق العمل في مجالات مختلفة. واحدى التلميذات تمكّنا من الحاقها بمدارس الاونروا بعد 3 سنوات من العمل معها ضمن البرنامج، وهي الآن في الصف الثالث بعمر 12 سنة، وتبلي بلاءً حسناً، وتتلقى دروساً ضمن برنامج التقوية لدينا. وفي الوقت ذاته لا بد ان انوّه الى ان التحسّن الدراسي لدى الطلاب أثّر الى حد كبير على حالتهم النفسية، فأصبح عدد من مثيري الشغب أكثر هدوءاً واصغاءً وتركيزاً، وبدؤوا يستعيدون ثقتهم بنفسهم، ولعلّ ابرز من تأثر بذلك إحدى الفتيات وهي مراهقة تعيش في كنف عائلة تعاني اوضاعاً معيشية واجتماعية صعبة، ولأن الفتاة على قدر من الجمال كانت أسرتها ترى أن الاجدر بها الزواج وكانوا يقللون من اهمية التعليم بالنسبة لها، ولكن بعد ان بدأت تحضر الدروس لاحظ الجميع تبدل شخصيتها، إذ باتت تهتم بمظهرها واستعادت ثقتها بنفسها، وأصبحت تخطط لمستقبلها وتطمح للحصول على وظيفة واستكمال تعليمها".
الأنشطة الترفيهية
"يهدف برنامج الأنشطة الترفيهية لايجاد فسحة تمكّن الأطفال من التعبير عن أنفسهم وأرائهم واكتشاف وتنمية مواهبهم"، تقول مسؤولة الانشطة في المكتبة سلام رحمة، وتضيف "كما تهدف الأنشطة للترفيه عن الطلاب، خاصةً في ظل ما يتعرّضون له في محيطهم من عوامل تؤثر على بناء شخصيتهم. وتتنوع الأنشطة ومنها الأشغال اليدوية وحياكة الصوف و"الكنفا"، والمسرح نظراً لما له من تأثير على بناء الثقة بالنفس، الى جانب أنشطة الدعم النفسي والاجتماعي وخاصة الأنشطة الجماعية والعمل الفريقي بهدف بث روح التعاون بينهم وتقبل الآخر خاصةً اننا نلمس احياناً وجود مشاعر العنف او الغيرة لدى البعض، وقد كان لهذه الأنشطة أثار ايجابية عديدة عليهم".
هذا وتحيي المكتبة المناسبات الوطنية لتعزيز الثقافة والتربية الوطنية لدى الأطفال وتنمية روح الانتماء وحب الوطن عبر شرح رمزية المناسبة الوطنية واجراء نشاطات هادفة حول ذلك.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها