مع كل عدوان، تكون الطفولة على موعد مع جحيم جديد، حين لا يجد الأطفال سوى السماء ستارًا لهم من لهيب ونيران القصف.
هي لحظة يطلق فيها العنان للهيب جهنم باتجاه أهداف بتحذير أو دون تحذير فالفرق بين الحالتين قصير، المكان يتكدس بالأطفال والشيوخ والنساء من كل الأعمار، أمهلتهم الهدنات السابقة لأن يعيشوا اعتداءً آخر.
هذه الاعتداءات لا يدفع ثمنها رغم أن كل القوانين الدولية تقضي بأن تتوفر كافة وسائل الحماية للمدنيين في ظل الحروب سوى الأطفال والمدنيين العزل، هذا هو حال هؤلاء في قطاع غزة في كل مواجهة وفي كل صيف، ثمن تدفعه الأمهات وهن يحملن جثامين أطفالهن من بين الأنقاض، فلا البيت كان كافيًا ليحمي الأطفال ولا الشرعية والمواقف الدولية أبصرت بقايا جثث أطفال مزقتهم القذائف لتختلط أجسادهم البريئة مع بقايا ما كانوا يتناولونه من طعام وإن كان يسيرًا، صور تقتضي من مؤسسات حقوق الإنسان التي تزداد بريقًا في أيام السلم وفي قاعات الفنادق الفارهة في عواصم العالم الكبيرة، أن تفتح أعينها ولو لوقت قليل حتى تعيد لنفسها المصداقية ولو من باب الحياء الأخلاقي، صور تطرق أبواب الامم المتحدة وهيئاتها بأن الاطفال والمدنيين يحتاجون للحماية من ويلات الحرب كحد أدنى، وان السبيل الى ذلك بوضع حد لهذه الاعتداءات الدامية، لأن كل اعتداء وكل جولة تنطلق لأسباب ويرفع الشعار "العملية مستمرة حتى تحقيق أهدافها" ومنذ عشرات الاعتداءات ونحن نرى هذا الشعار وكأن الجولات اعادة وتكرار ولكن بثمن أكبر من أجساد الاطفال والأبرياء.
في هذه الجولة من العدوان التي تأتي ورقة ضمن سباق انتخابي تحاول الاحزاب السياسية المتصارعة على كرسي السلطة في دولة الاحتلال ان تثبت أنها الأكثر قوة وتصميمًا في وجه الفلسطينيين، وأنها الأجدر بالأصوات الانتخابية، صراع بين اليمين والاكثر يمينية دونما اكتراث للثمن الذي ندفعه من أرواح أطفالنا ونسائنا وشيوخنا وشبابنا، سياسات لا تقود الا لتعميق الكراهية وتغذي التطرف وإنكار الطرف الآخر وحقه في الحياة، لأنها سياسة تتنكر لحقوق شعب يرزح تحت الاحتلال ويسعى للتحرر وتقرير مصيره على أرضه كباقي شعوب الأرض بعد عقود من أطول وآخر احتلال تعرفه البشرية في تاريخها الحديث.
صور الأطفال تحت القصف في غزة لا تترك مجالاً أمام المؤسسات الدولية المعنية سوى خيار واحد، ضرورة التحرك العاجل لوقف التصعيد ووضع حد للاحتلال على أساس سلام عادل وشامل يحمي حياة الجميع ويوفر أساسًا للاستقرار والأمن للجميع، لأن فرض حل مجزوء وبشروط لا تضمن العدالة يعيدنا لما حدث بعد الحروب العالمية، فالشروط المذلة او الحلول المنحازة لصالح القوي بحكم فرض الشروط والاملاءات، لا تعني سوى تكوين بذورها وفشلها من داخلها، لأن الاتفاقات الناقصة لا تقود سوى لأوضاع غير مستقرة، وما أن تتعدل الموازين من جديد حتى تندلع الازمات وموجات الصراع من جديد.
نحن بحاجة لتحرك دولي عاجل على غرار ما تسابقت به الدول والمجتمع الدولي والمنظمات الأممية، حينما اندلعت الأزمة الاوكرانية الأخيرة، فالأصل أن القانون الدولي لا يتجزأ والدم البشري ليس أنواعًا، مصنفة درجة أولى وأخرى من الدرجة الثانية، وحياة الاطفال والابرياء ليست من درجات متفاوتة يحكمها لون العينين او البشرة، ولا تمييز في حق الإنسان في الحياة، وحماية حياة الاطفال والمدنيين أثناء الحرب لا يشوبها التمييز، وأطفال غزة في أمس الحاجة للحماية كيف لا وهم يلتحفون السماء دون منزل ودون ملجأ ودون عون دولي يضع حداً نهائياً لمعاناة مضى عليها عقود ودفعت ثمنها أجيال متعاقبة.
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها