من المؤكد ليست الحرب خيارًا فلسطينيًا، ولم تكن يومًا كذلك؛ لأن الشعب الفلسطيني على مدار تاريخ الصراع منذ فرض الانتداب البريطاني على فلسطين وازدياد الهجرات الصهيونية وإنشاء العصابات الإرهابية لقتل الفلسطينيين الأبرياء وإقامة المستعمرات، التي تطورت لاحقًا في إقامة قاعدتها المادية إسرائيل الاستعمارية على أنقاض نكبة الشعب الفلسطيني، كان في موقع الدفاع عن هويته ومصالحه وحقوقه الوطنية، وبلوغ هدف الحرية والاستقلال والعودة وتقرير المصير، ومعنيا ببناء وترسيخ قواعد السلام والتعايش في المنطقة والإقليم عمومًا.

لكن يد وجبروت الهمجية الإسرائيلية وإيغالها في الدم الفلسطيني عبر نهج المجزرة والقتل على الهوية السياسية حال دون تقدم أو تحقيق خطوة واحدة إيجابية نحو بوابة السلام. ومع ذلك ومنذ ما يزيد على 74 عامًا من عمر النكبة الفلسطينية، وأقطاب النظم الرأسمالية الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية تدعم دولة البغي والعدوان والإرهاب الدولاني المنظم الإسرائيلية دون تردد، وتناصب الحقوق الوطنية الفلسطينية العداء، وترفض الضغط على دولة المشروع الصهيوني للالتزام باستحقاق السلام وفقا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، والتي تزيد عن 800 قرار أممي.

الآن وحيث حرب إسرائيل الخامسة منذ عصر يوم الجمعة الماضي في الخامس من آب/ أغسطس الحالي لليوم الرابع، ورغم أن دولة إسرائيل الخارجة على القانون، هي البادئة بشن حربها الإجرامية الجديدة على أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من خلال استهدافها عددًا من المناضلين في حركة الجهاد الإسلامي، إلا أن العالم وأقطابه الدولية لم يعلنوا موقفًا واضحًا ومعلنًا من الجريمة الإرهابية الإسرائيلية الجديدة، لا بل أعلنت الولايات المتحدة على لسان ممثلي البيت الأبيض والخارجية الأميركية وسفيرها في إسرائيل، جميعهم أعلنوا مقولتهم اللعينة والمتناقضة مع مبادئ وحقوق الإنسان وخيار السلام، وهي "من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها"، وهو ما يعني منح دولة أسبارطة الصهيونية فرصة مواصلة إيغالها في الدم الفلسطيني. كما أن دول الاتحاد الأوروبي وغيرها من الدول لم ترتقِ بمواقفها من إدانة واضحة وصريحة للحرب الإسرائيلية الإجرامية، وبقيت تراوح بشكل خجول ببيانات ضعيفة وشكلية.

وما تقدم يعيدنا مجددًا لطرح الموقف من سياسة الكيل بمكيالين، التي تنتهجها دول الغرب ومن لف لفها، ففي الوقت الذي خرجت به تلك الدول بالمواقف المباشرة والصريحة في تبنيها ودعمها للشعب الأوكراني مع أول طلقة أطلقت في الحرب هناك، وقدمت عشرات المليارات من الدولارات والأطنان من الأسلحة متعددة الأصناف والقوة ليدافع الأوكران عن أنفسهم، ولم تنتظر 74 ساعة لإعلان موقفها الداعم لهم، وشيطنة روسيا الاتحادية، وفرض سلسلة طويلة من العقوبات المتعاقبة عليها، وما زالت تواصل البحث عن أية عقوبات جديدة لإضافتها لكومة العقوبات، التي تضرر منها الغرب عمومًا بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية، ونجم عنها غلاء الأسعار عالميًا، وركود اقتصادي، وأزمات عميقة بهدف تركيع روسيا، إلا أنها لم تتوان عن انتهاج تلك المواقف، وما زالت تخوض حربها بالإنابة ضد روسيا.

بذات الوقت لم تعلن يوما على الأقل منذ نكبة الشعب الفلسطيني في عام 1948 عن فرض أية عقوبات ممكنة على دولة التطهير العرقي الإسرائيلية، رغم صدور مئات القرارات الأممية من مجلس الأمن والجمعية العامة لصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه السياسية والقانونية، لا بل أدارت الظهر لها، ولم تولها الأهمية التي تستحق، ورغم السلسلة الطويلة من المجازر والمذابح والمحرقة الإسرائيلية المشتعلة منذ ما قبل عام النكبة في عام 1948 على الشعب الفلسطيني، ما زال لسان حالها يقول "من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها"، وتقديم الدعم شبه المطلق لها سياسيًا ودبلوماسيًا واقتصاديًا وعسكريًا وعلى مختلف الصعد والمستويات ودون تردد. وهو ما يعني استشراء وجنون وفجور إرهاب الدولة الصهيونية على أبناء الشعب الفلسطيني وحقوقهم الوطنية.

مرة جديدة ندعو العالم في خضم التحولات الدولية السياسية والاقتصادية والعسكرية الجارية، والانتقال من نظام القطبية الواحد الغاشم وعولمته الأميركية الوحشية إلى نظام القطبية المتعددة لإعادة النظر بتلك السياسات العرجاء والكسيحة والمتناقضة مع روح القانون الدولية ومبادئ حقوق الإنسان وقرارات الشرعية الدولية، والعمل فورا لإنصاف الشعب الفلسطيني، وتأمين الحماية الدولية له، ووقف الحرب الإسرائيلية الإجرامية على المواطنين الأبرياء والعزل، وفرض العقوبات الاقتصادية والسياسية على إسرائيل، وإلزامها باستحقاق السلام، وتخطي مرحلة إعلان بيانات الشجب والإدانة والاستنكار وولوج لحظة جديدة لفرض وتطبيق قرار أممي واحد من رزمة القرارات المتراكمة على أرفف الأمم المتحدة، خاصة القرار الأممي 2334 وفرض خيار السلام الممكن والمقبول أممياً وفلسطينيًا وعربيًا.

المصدر: الحياة الجديدة