والآن في إجابة على ماذا علينا فعله في سياق نضالنا القانوني والسياسي والدبلوماسي لتقويض هذا الصك (الجريمة) وتدفيع  الدول الاستعمارية وتحديدا بريطانيا التي سرقت موجودات البنك الفلسطيني، التي تقدر قيمتها اليوم بمليارات الدولارات. 

أولاً-  لا بد من العمل على إصدار قرار من الأمم المتحدة باعتبارها الوريث لعصبة الأمم يؤكد أن صك الانتداب وإجراءات بريطانيا لتطبيقه كانت جريمة  ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني، وأن المملكة المتحدة ارتكبتها عن سابق تصميم وترصد حسب نصوص الصك ذاته. 

ثانيًا- رفع دعوات قضائية في المحاكم الدولية أو المختصة في بلاد أوروبية على بريطانيا والوكالة اليهودية، وحكومة إسرائيل  لتعويض كل فرد من الشعب الفلسطيني تضرر ماديا أو معنويا من تطبيق صك الانتداب (الجريمة). 

ثالثًا– رفع دعاوى قضائية لدى المحاكم الدولية المختصة ومنها العدل الدولية، لاستعادة أموال الشعب الفلسطيني المسروقة  وموجودات البنك الفلسطيني بما يعادل قيمتها الحقيقية حاليا إضافة للفوائد المتراكمة منذ مئة سنة. 

رابعًا– العمل على انتزاع إقرار من المملكة المتحدة (بريطانيا) بالجريمة التاريخية، والعمل مع قوى الشعب البريطاني المنظمة لبيان الجريمة التي ارتكبتها حكوماته السابقة، بالتوازي مع  ضغط إعلامي وشعبي ودبلوماسي وسياسي رسمي يدفع بهذا الاتجاه. 

خامسًا- التأكيد على اعتراف بريطانيا بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 67 وعاصمتها القدس  ليس تكفيرا عن الجريمة  وإنما خطوة على طريق تصحيح مسار التاريخ الذي حرفته بريطانيا، وتسببت بذلك في صراعات دموية وحروب، تكاد أن تتحول إلى دينية، يدرك المستعمرون وعلى رأسهم بريطانيا أنهم خاسرون منها سلفا، وتذكيرهم بالحملة الاستعمارية (حملة الفرنجة) التي اتخذ الصليب كغطاء لها. 

سادسًا– التأكيد على أن الشعب لا يحتاج وعودا من أي قوة استعمارية فهو صاحب الأرض حصرا، وأنه ينتزع الحق التاريخي والطبيعي المغتصب منذ أكثر من قرن ..فالرواية الصهيونية المشتقة من خطة الجريمة التي بدأت بوثيقة كامبل مرورا بوعد بلفور وصك الانتداب خالية من أي إثبات مادي، باعتراف علماء الآثار الإسرائيليين أنفسهم، وأن الشعب الفلسطيني دون تمييز بالانتماء الديني وحده الحقيقة الخالدة على هذه الأرض. 

يتألف صك الانتداب (خطة الجريمة) من ديباجة وثمان وعشرين مادة، إذا قاسها أي عاقل بمعيار الحقوق الإنسانية والسياسية للشعوب، فإن العالم سيكون أمام خطة أفظع جريمة ضد الإنسانية في تاريخ البشرية، ذلك أنها قد خططت ونظمت ونفذت، وخرجت أوامرها للتنفيذ من الكيان الذي كان يعتبر أو المفترض أن يكون الشرعية الدولية المحافظة على الأمن والسلام  في العالم، والمسماة حينها (عصبة الأمم) ووريثها المعروف اليوم (الأمم المتحدة)! 

ارتكبت عصبة الأمم التي رأستها الدول الاستعمارية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى الجريمة التاريخية بحق الشعب الفلسطيني، وتصدت الحكومة البريطانية آنذاك لتنفيذها، لتطبيق المرحلة الثانية من مدها الاستعماري، واستخدام (يهود) بريطانيا وأوروبا- موطن مشكلتهم الأساس-  تحت عنوان المنظمة الصهيونية كوكيل ومستخدم استعماري في المنطقة، بعد خمسة أعوام على وعد بلفور البريطاني  في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر من العام 1917، وبعد عام واحد على اتفاقية (سايكس بيكو) وبعد ستة عشر عاما على صدور (وثيقة كامبل) عن الدول الاستعمارية عام 1905 التي صدرت بعد اجتماعات دامت عامين  قررت  خلالها الدول الاستعمارية إنشاء ( كيان لليهود) خادم وتابع على أرض فلسطين، يمنع نهوض أمة عربية في شرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط تملك مقومات النهوض لتكون البديل الحضاري في المنطقة، بعد أوروبا المشرفة على دخول مرحلة الشيخوخة. فكان صك الانتداب البريطاني على فلسطين بعد انهيار الدولة العثمانية المرحلة العملية المباشرة لتنفيذ ما يحق أن يدون في دراسات وأبحاث العلوم السياسية والتاريخ  باعتباره الخطة التنفيذية للجريمة التاريخية التي ارتكبتها حكومات  بريطانيا، وحكومات الدول الاستعمارية على رأسها الولايات المتحدة بحق شعب فلسطين الحضاري، الذي كان حتى يوم البدء بتنفيذ هذه الجريمة (الانتداب) في أفضل حال اجتماعي وثقافي واقتصادي بالقياس مع دول عربية وأجنبية في الشرق الأوسط. 

أعلنت عصبة الأمم المتحدة بتاريخ 6 تموز/يوليو 1921، وصودق عليه في 24 تموز/ يوليو سنة 1922، خطة (الجريمة ضد الإنسانية) المسمى صك الانتداب، وبدء تنفيذها في 29 أيلول/ سبتمبر وافتتحتها بديباجة واضحة لا يعتريها غموض أبدا، حيث نص الصك على التالي: "ولما كانت دول الحلفاء قد وافقت على أن تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن تنفيذ التصريح الذي أصدرته في الأصل حكومة صاحب الجلالة البريطانية في اليوم الثاني من شهر تشرين الثاني، قد وافقت أيضاً على أن تكون الدول المنتدبة مسؤولة عن تنفيذ التصريح الذي أصدرته في الأصل حكومة صاحب الجلالة البريطانية في اليوم الثاني من شهر تشرين الثاني سنة 1917- (وعد بلفور)- وأقرته الدول المذكورة لصالح إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن يضر بالحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية الموجودة الآن في فلسطين، أو بالحقوق أو الوضع السياسي مما يتمتع به اليهود في أية بلاد أخرى. 

وتأكيدًا على هيمنة الولايات المتحدة التي كانت وراء كل كلمة صيغت في وعد بلفور البريطاني وعلى مسؤوليتها المباشرة عن إنشاء القاعدة الاستعمارية المتقدمة (إسرائيل) ورد في صك الانتداب أيضا في الديباحة التي تعتبر جزءا أصيلا من الصك ما يلي: "ولما كان قد اعترف بذلك بالصلة التاريخية التي تربط الشعب اليهودي بفلسطين، وبالأسباب التي تبعث على إعادة إنشاء وطنهم القومي في تلك البلاد".. وبذلك يتحول المنتصرون إلى مجرمين، خططوا ونفذوا جريمة هدفها اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرض وطنه التاريخي والطبيعي، وإحلال مواطنين من جنسيات كثيرة، لا تاريخ ولا مقومات شعب، تجمعهم، استقدموا كقاعدة بشرية لدولة صممت لتكون ذراعا ضاربا، وبذلك تخلصوا من المشكلة اليهودية في أوروبا. 

اعتبر صك الجريمة التاريخية (الانتداب) الشعب الفلسطيني صاحب الحق التاريخي في أرض فلسطين كلها طائفة بحقوق دينية، أما المستخدمون لتنفيذ الجريمة فقد اعتبرهم شعبا واعتبر فلسطين "وطنهم القومي" !!! وهنا تبلغ الجريمة ذروتها وتجسدت صراحة في المادة الثانية ونصها: "تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن وضع البلاد في أحوال سياسية وإدارية واقتصادية تضمن إنشاء الوطن القومي اليهودي، وفقاً لما جاء بيانه في ديباجة هذا الصك، وترقية مؤسسات الحكم الذاتي وتكون مسؤولة أيضاً عن صيانة الحقوق المدنية والدينية لجميع سكان فلسطين بقطع النظر عن الجنس والدين". 

فيما أرهصت المادة السادسة سبل التمكين للمنظمة الصهيونية العنصرية، عبر الوكالة اليهودية حسب نص المادة السادسة ونصها: "على إدارة فلسطين مع ضمان عدم إلحاق الضرر بحقوق ووضع فئات الأهالي الأخرى، أن تسهل هجرة اليهود في أحوال ملائمة، وأن تشجع- بالتعاون مع الوكالة اليهودية المشار إليها في المادة الرابعة- حشد اليهود في الأراضي الأميرية والأراضي الموات غير المطلوبة للمقاصد العمومية"، ما يعني تهيئة الأرضية للمشروع الاستعماري الذي ما زالت مخططاته تطبق الواحدة تلو الأخرى، ولعل أحدث مرحلة في الجريمة قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب باعتبار القدس عاصمة لما يسمى (الدولة اليهودية). 

 

*المصدر: الحياة الجديدة*