السيد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش أتوجه لكم من موقعي كلاجئ من أبناء الشعب الفلسطيني، الذي دفع، وما زال يدفع ثمنًا غاليًا وباهظًا من التضحيات الجسام نتاج النكبات المتتالية، التي لحقت بي وبأسرتي وشعبي منذ صادقت عصبة الأمم على صك الانتداب قبل مئة عام بالضبط، أي في 24 تموز/ يوليو 1922، الذي شرعت من خلاله تلك المنظمة الأممية وعد بلفور المشؤوم الصادر عن وزير خارجية بريطانيا، جيمس آرثر بلفور في الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر 1917، الذي تبنت فيه المملكة المتحدة بالتكامل والتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية ودول الغرب الرأسمالي عموما بإقامة ما سمي بـ "وطن قومي لليهود" دون وجه حق، وقبل أن تتولى بريطانيا الانتداب على فلسطين العربية، وتنفيذا لأساطير وخزعبلات دينية وميثولوجية لا أساس لها في الواقع، وعلى حساب وأنقاض نكبة شعب فلسطين المتجذر في أرض وطنه الأم منذ آلاف السنين قبل ولادة الديانات السماوية الثلاث وبعدها.
مع أن تلك المنظمة الأممية وجدت لتأمين حق تقرير المصير للشعوب، ولضمان السلام بين الدول والشعوب. بيد أنها فعلت العكس، وارتكبت جريمة ما زالت تداعياتها تنتج نكبات وجرائم حروب في متوالية هندسية، لم تتوقف حتى اليوم، عندما تبنت ذلك الوعد المشؤوم، والأساطير اللاهوتية التي لا تستقيم مع أهداف العصبة، ولا الخلفية العلمية التي قامت عليها. وللأسف لم يتوقف الأمر عند حدود ما ارتكبته العصبة المنحلة مع اشتعال الحرب العالمية الثانية نهاية ثلاثينيات القرن الماضي، وإنما تبنته منظمة الأمم المتحدة مع تأسيسها في العام 1945، وورثت تلك الجريمة، وعملت على تنفيذها من خلال المصادقة على قرار التقسيم الدولي 181 الصادر في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر1947، مع اعترافها بدولة الاستعمار الإسرائيلية على أنقاض نكبة الشعب الفلسطيني، ليس هذا فحسب، بل إنها تواطأت مع دول الغرب الرأسمالي وحلفائها في الإقليم حين لم تف بالقسم الثاني من القرار 181، الداعي لإقامة الدولة الفلسطينية. رغم الغبن التاريخي الناجم عن القرار الأممي، ولم تكفل حتى اللحظة عودة اللاجئين لديارهم، مع أنها أقرنت قرار عودتهم بالاعتراف بالدولة الإسرائيلية المارقة وغير الشرعية.
السيد غوتيرش المحترم،
المنظمة الأممية التي تقفون على رأسها منذ مطلع العام 2017 حتى اليوم، شاهد إثبات من خلال مئات القرارات الأممية، التي أصدرتها، ولجان التحقيق التي شكلتها لمساءلة دولة التطهير العرقي الإسرائيلية، أداة الغرب الراسمالي في الوطن العربي وإقليم الشرق الأوسط الكبير عن جرائم حربها، التي ارتكبتها وترتكبها على مدار الساعة ضد أبناء الشعب الفلسطيني، ودون وازع أخلاقي أو قيمي أو قانوني، وبعيدا عن المساءلة الأممية؛ لأنها محمية من الولايات المتحدة الأميركية، وتغطي جرائمها من خلال هيمنتها وجبروتها وغطرستها على القرار السياسي الدولي، وحرمان الأمم المتحدة من تنفيذ أي من قراراتها الأممية ذات الصلة بقضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي منذ 75 عاما خلت وأكثر.
مع ذلك هيئة الأمم المتحدة التي تتولون منصب الأمين العام فيها، وهو الموقع الأول، تورطت وغرقت أكثر فأكثر في متاهة وراثتها لصك الانتداب الإجرامي بكل ما فيه من مواد منافية لروح ونصوص القانون الدولي والمعاهدات الأممية ذات الصلة بالحروب والاستعمار وحق تقرير المصير للشعوب، وبمخالفته الواضحة لمبادئ حقوق الإنسان التي تبنتها منظمتكم الأممية. وما زالت هيئة الأمم تطأطئ الرأس أمام الولايات المتحدة ومن لف لفها من الدول، وتغض النظر عن جرائم دولة الابرتهايد الإسرائيلية ضد أبناء الشعب الفلسطيني، التي تمارس البلطجة بعيدًا عن روح القانون الأممي، وتتعامل بازدراء وتجاهل لمنظمتكم الأممية التي كفلت وجودها تنفيذا للصك اللاإنساني، والمجحف بحق أبسط معايير العدالة الإنسانية والسياسية؛ لأن الإدارات الأميركية المتعاقبة شكلت الغطاء لوحشية الدولة الصهيونية المارقة والخارجة على القانون.
المحترم غوتيرش،
الآن وبعد مئة عام على صك الانتداب اللاقانوني واللاأخلاقي والإجرامي تملي الضرورة السياسية والقانونية والمسؤولية الأممية التي تتولونها، منكم شخصيا ومن هيئة الأمم المتحدة عموما العمل على إنصاف الشعب الفلسطيني عبر الآتي:
أولاً: الإقرار والاعتراف بخطيئة تبني صك الانتداب ووراثته من عصبة الأمم.
ثانيًا: الاعتذار للشعب الفلسطيني عن جريمة الصك وتداعياته خلال القرن الماضي.
ثالثًا: اعتبار هذا العام هو عام إسقاط وإلغاء الصك المشؤوم، ومن خلاله وعد بلفور البريطاني، وتنظيم الفعاليات الأممية لتحقيق ذلك بالاستفادة من الأغلبية الأممية المؤيدة والداعمة للحقوق الوطنية الفلسطينية.
رابعًا: عقد جلسة خاصة للأمم المتحدة خلال العام الحالي لدعم كفاح الشعب الفلسطيني والاعتراف الكامل بدولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حق العودة للاجئين وفق القرار الدولي 194، والعمل على تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2334 الصادر في 23 كانون الأول/ ديسمبر 2016، وتأمين المساواة الكاملة لأبناء الشعب الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة.
خامسًا: اعتماد قرار أممي يعيد التأكيد على أن الحركة الصهيونية، هي حركة رجعية وعنصرية، من خلال إعادة الاعتبار للقرار الأممي 3779 الذي تم الغاؤه عام 1990. وأيضا تبني ما أصدرته منظمة العفو الدولية "امنستي" ومنظمة "هيومن رايتس ووتش" وغيرها من الهيئات والمنظمات الإسرائيلية المؤيدة للسلام والعدالة من أن إسرائيل دولة فصل عنصري وتطهير عرقي، مع ما يستلزم الأمر من فرض عقوبات أممية ضدها وإلزامها باستحقاقات السلام الممكن والمقبول وفق قرارات الشرعية الدولية.
سادسًا: تحديد يوم الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام يوما لمناهضة الاستيطان الاستعماري الإسرائيلي، ويوما للاعتذار والغفران من الشعب الفلسطيني على تبني صك الانتداب الاجرامي، ومن خلاله وعد بلفور المشؤوم.
سابعًا: تبني القضايا الفلسطينية المرفوعة لمحكمة الجنائية الدولية ضد جرائم الحرب الإسرائيلية، وتشكيل غطاء أممي لها حتى تتم محاكمة قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين على جرائمهم الموثقة.
ثامنًا: الاستفادة من اللحظة الدولية الراهنة مع مطالبة دول الغرب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة بدعم حرية استقلال الدول، وضمان حق اللاجئين بالعودة لبلدانهم التي طردوا منها، وتبني حق تقرير المصير، لتحقيق أكثر من هدف، الأول التخلي عن سياسة الكيل بمكيالين تجاه الشعوب؛ والثاني تطبيق تلك القرارات على الشعب الفلسطيني والعمل على انصافه سياسيا وقانونيا وإنسانيا.
السيد الأمين العام للأمم المتحدة،
هناك الكثير مما يمكن أن تساهموا به لإعادة الاعتبار لحقوق الشعب الفلسطيني، ورفع الغبن والظلم التاريخي، الذي سببه الصك والوعد المشؤومان، وصناعة السلام المقبول، ومن خلال ذلك دخول التاريخ من أوسع أبوابه، لا سيما وأن اللحظة التاريخية التي يعيشها العالم تسمح لكم بتحقيق تحول نوعي في مجرى التاريخ ومسار عملية السلام على أرض فلسطين ولصالح شعبها، الذي ما زال يعيش نصفه تحت الاستعمار الإسرائيلي الإجرامي والإرهابي العنصري، ونصفه الآخر في بلدان المنافي والشتات. ونقطة البدء تتمثل بالاعتراف بجريمة تبني الصك الأسود، والاعتذار عنه مباشرة.
وشكرا لكم
اللاجئ الفلسطيني
عمر حلمي الغول
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها