كغيره من أبناء البشر، يريد الفلسطيني داخل الارض المحتلة، أن يكون حر الحركة، ان يتحرك داخل بلده بحرية، وأن يسافر إلى الخارج بسهولة ويسر، متى يشاء وكيفما يشاء، وهذا يتطلب حدودًا مفتوحة برًا وجوًا وبحرًا. على دولة الاحتلال أن تدرك أن احتلالها المستمر منذ 55 عامًا لم يعد مقبولاً به بتاتًا، وأن اعتقال شعب كامل بحجة الأمن هو أمر لا يمثل انتهاكًا للقانون الدولي وحسب، وإنما يجب أن يكون مرفوضًا من العالم أجمع، إذا كان لدى هذا العالم أدنى درجة من الضمير.
بعيدًا عن نكبة عام 1948، التي لها حديث آخر لا يقل أهمية، وإنما نتحدث هنا عن خمسة ملايين فلسطيني هم في معتقل منذ 55 عامًا منذ أن احتلت إسرائيل الضفة وقطاع غزة في حرب حزيران/ يونيو 1967... كيف هم معتقلون؟
هناك مليونا فلسطيني محاصرون تمامًا في جنوب فلسطين، (قطاع غزة)، لا يستطيعون حتى التواصل مع أبناء جلدتهم في الضفة، وسفرهم إلى الخارج اشبه بعملية تعذيب، هي عملية محدودة ومقيدة جدًا عبر معبر وحيد يفتح أبوابه لأيام قليلة ولبضع ساعات (لا يتعدى ما مجموعه شهرين في العام بضغوط إسرائيلية). وفي الضفة، حيث يعيش أكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني، فبالإضافة إلى عشرات الحواجز العسكرية التي تحد وكثيراً ما تمنع حركة المواطنين الفلسطينيين بين المدن، كما أنهم فلسطينيي الضفة- ممنوعون كلياً من الوصول إلى قطاع غزة. أما سفرهم للخارج، فهم أيضًا لديهم معبر واحد، ربما هو أفضل قليلاً من معبر رفح في غزة، ولكن هو مغلق ليلاً على مدار العام، ومغلق من ساعات الظهر أيام الجمعة والسبت، ومغلق خلال أيام الاعياد اليهودية، وإسرائيل تقرر متى والى متى يمكن لمعبر الكرامة ان يعمل، فأحياناً يفتح لساعات قليلة جدًا لا تتحاوز الساعتين او الثلاث في النهار، وأحيانًا يمتد إلى سبع ساعات وفي فترات أقل يمتد إلى عشر ساعات.
سفر الفلسطيني -إضافة إلى انه شاق ومرهق- مكلف، وهو همّ اكثر من كونه فرجًا وراحة، حتى لو كان الفلسطيني ذاهبًا في اجازة ليرتاح ويرفه عن نفسه قليلاً، فإن السفر هو امر مؤرق ومرهق، وعندما يعود ينسيه عبور جسر الصعب متعته وراحته.
والآن لنأت لموضوع المطار، وفي ظل حديت إسرائيل عن السفر عبر مطار رامون، في "ايلات" على خليج العقبة، أن الاقتراح الذي تجري التسريبات بشأنه، هو باختصار نوع جديد من تعذيب الفلسطينيين، لأنه أولاً- لطول مسافة الوصول إليه والإجراءات التي لن تختلف عن إجراءات الجسر.
ثانيًا- السفر منه محدد بدول بعينها أي على الفلسطيني حتمًا أن ينزل في أحد المطارات الإقليمية ومنها يذهب إلى وجهته النهائية، وهو بهذا المعنى عذاب ومشقة أكثر، وإجراءات سفر طويلة ومعقدة.
ثالثًا- لن يكون الشعب الفلسطيني منقذًا لمطار فاشل اقتصاديًا، لا تجد إسرائيليًا واحدًا يرغب بالسفر منه.
من هنا تأتي أهمية توحيد الموقف الفلسطيني الرسمي والشعبي من موضوع المطار، ومخاطبة إسرائيل والعالم بالموقف ذاته.
وقبل مناقشة خيارات الموقف الموحد الفلسطيني، لابد من الإشارة إلى بعض الحقائق التاريخية، أبرزها أن مطار اللد، الذي أطلقت عليه إسرائيل منذ العام 1973 اسم مطار "بن غوريون" هو مطار فلسطيني بني في فترة الانتداب ليخدم كل سكان البلاد من النهر إلى البحر، الأمر ذاته بالنسبة لمطار القدس، مطار "قلنديا"، بل أن هذا الأخير هو جزء من الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، بمعنى أنه –حكمًا- مطار فلسطيني. وربما تجدر الإشارة هنا إلى مشروع الوسيط الدولي الكونت برنادوت، الذي جاء بعد أن احتلت القوات الإسرائيلية مدينة حيفا ومن ثم مطار اللد خلال حرب 1948, فإن أحد أهم بنود مشروع برنادوت، أن يبقى 5 ميناء حيفا ميناء مفتوحًا للجميع، وكذلك الأمر بالنسبة لمطار اللد، أن يكون متاحًا للجميع استخدامه وإلا يحتكره طرف من أطراف الصراع لنفسه.
المقصود أن نصر على السفر من مطار اللد وان نعامل معاملة متساوية هناك، أو أن تخصص قاعة سفر خاصة بنا "Terminal". فالخيارات التي يمكن ان نجمع على أحدها أو بعضها او كلها:
أولاً- الإصرار على إعادة ترميم وتأهيل مطار القدس (قلنديا)، ويمكن ان تقوم السلطة الوطنية الفلسطينية بترميم المطار على نفقتها.
ثانيًا- الإصرار على حرية سفر الفلسطيني عبر مطار اللد وليس رامون، وأن تكف دولة الاحتلال التصرف بعنصرية مع الشعب الفلسطيني، فكما ذكرنا فإن المطار يجب ان يكون لخدمة جميع سكان البلاد، فالسماح للفلسطينيين بالسفر عبره ليس منة من أحد.
ثالثًا- السماح للفلسطينيين ببناء مطار في منطقة أريحا، مطار للمسافرين والتجارة نستورد ونصدر منه وذلك في حال رفض الاقتراحات سالفة الذكر.
إن الحجج الأمنية لم تعد تقنع أحدًا، فهذه يمكن الاتفاق عليها إما ثنائيًا أو مع طرف ثالث. ففي هذه الأيام باتت إجراءات الأمن هي تقريبًا ذاتها في كل مطارات العالم، ويمكن الاتفاق على صيغ مراقبة مشتركة، على إلا تسبب إرهاقًا للمسافرين، وأن يشعر هذا الأخير بكرامته وأنه حر وتنقل بسلاسة. لقد جاءت التسريبات الإسرائيلية بخصوص سفر الفلسطينيين عبر مطار رامون شبه المهجور محاولة لقطع الطريق على مطالبة الرئيس الاميركي بايدن للإسرائيليين، خلال زيارته الاخيرة، بضرورة أن يكون لدى الفلسطينيين وسائل سفر أكثر استقلالية، بمعنى أن يكون لهم تحكم بها.
إن البقاء ضمن الوضع الحالي هو أمر لم يعد مقبولاً، على الاحتلال أن يرحل، فرحيله هو إنهاء لكل عذبات الشعب الفلسطيني وصداعه المستمر. فالاقتراحات سابقة الذكر، ليس المقصود منها التعايش مع الاحتلال بل هي خطوة في سياق رحلة الاستقلال الفلسطيني وتحقيق السيادة على أرض دولتنا فلسطين، بأن يكون الفلسطيني حر الحركة والتنقل.
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها