يتملكني الشعور بالارتياح النسبي، وأنا أراقب تطور حركة الشارع الأميركي خارج حدود المنظومة الرسمية، التي تتسم إجمالاً بالانحياز الفاقع لصالح دولة الاستعمار الإسرائيلية، ليس هذا فحسب، وإنما تقوم الإدارات المتعاقبة بدءا من البيت الأبيض مرورًا بالخارجية والبنتاغون والمالية ووصولاً لآخر مركز مؤثر في صناعة القرار الأميركي بتغذية ودعم شبه مطلق في مختلف مجالات الحياة السياسية والدبلوماسية والعسكرية الأمنية والاقتصادية للدولة القائمة على أنقاض نكبة الشعب الفلسطيني. ولا تتوانى الإدارات الديمقراطية والجمهورية عن إصدار الإعلان تلو الإعلان والصفقة لتأكيد التزامها بأمن وتفوق ودعم دولة التطهير العرقي والأبرتهايد الإسرائيلية، وتدفع من جيوب دافعي الضرائب حوالي أربعين مليارًا سنويًا لها، وتصل نسبة المساعدات المقدمة لها سنويا ما يزيد على الـ50% من قيمة مساعداتها لدول العالم كافة. وتستخدم لحمايتها كل الوسائل وفي مختلف المحافل الأممية والإقليمية بما في ذلك حق النقض الفيتو في مجلس الأمن الدولي، والتي قاربت الـ45 مرة خلال السنوات الـ74 الماضية من نشوء الدولة غير الشرعية. لا سيما وأن إدارة الرئيس الأسبق وودرو ويلسون وقفت خلف إصدار وعد بلفور البريطاني، وصك الانتداب البريطاني على فلسطين، وتبنته عصبة الأمم وورثته هيئة الأمم وعملت على تنفيذه، الذي حلت ذكراه المئوية أمس الأول الأحد، وحرمان الشعب الفلسطيني من حق تقرير المصير، الذي دعا له الرئيس الأميركي آنف الذكر، في تنكر واضح لحقوق الشعب، ولطمس هويته، ولتمرير جريمة العصر بإقامة الدولة الغريبة من مجموعة من مرتزقة الدول والأمم من أتباع الديانة اليهودية، والذين كانوا جزءًا من مشكلة أوروبية تاريخية، وعنوانًا ومادة أساسية لإقامة الدولة الوظيفية في الوطن العربي بهدف تمزيق وحدة شعوب الأمة، ونهب ثرواتها، وتصفية حساب تاريخي معها وعنوانه الحروب الصليبية .. وكانت من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل في الأمم المتحدة إلخ.

هذه السمة الأميركية الدامغة للإدارات المتوالية تشهد في الآونة الأخيرة تفككًا نسبيًا، وبروز ظاهرة جديدة تتجاوز منطق المؤسسة الرسمية عمومًا، عنوانها انزياح داخل الرأي العام الأميركي عمومًا، وفي أوساط الكنائس وأتباع الديانة اليهودية الأميركيين خصوصًا لصالح دعم الشعب الفلسطيني، ورفض الرواية الرسمية والإعلامية الصهيوأميركية المسيطرة والمشكلة لوعي الشعب الأميركي، والتي تلقنه رواية كاذبة ومزورة لدعم دولة المشروع الكولونيالي الصهيوني. وهذا التحول الإيجابي والمتزايد عموديًا وأفقيًا بخطى حثيثة أحدث اختراقًا ملموسًا في الأوساط الأميركية المختلفة.

ومن بين الخطوات الجديدة التي رأيت من الواجب تسليط الضوء عليها؛ لأنها تساهم بشكل إيجابي في زيادة التحول داخل القطاعات المهنية والمؤسسات المركزية في صناعة الرأي العام الأميركي، أولاً تصويت المؤتمر العام للنقابة الوطنية للمعلمين الأميركيين لصالح قرار يوفر الحماية والدعم للمعلمين الذين يدرسون أو يثقفون الجماهير عن القضية الفلسطينية. ويعتبر القرار رقم 13 الذي أقره المؤتمر في مدينة شيكاغو ما بين الثالث والسادس من تموز/ يوليو الحالي إنجازًا مهمًا، أولاً كونه يصدر عن واحدة من النقابات الأميركية الهامة، وثانيًا لأنه صوت لصالحه 60% من أعضاء المؤتمر المكونين من 6000 عضو، يمثلون ما يزيد على ثلاثة ملايين معلم أميركي؛ ثالثًا لأنه يؤمن الحماية لكل من يساهم في تثقيف وتعليم القضية الفلسطينية من المنظمات الصهيونية خاصة "الأيباك" واليمين العنصري الأميركي؛ رابعًا وصوت المؤتمر لصالح قرار إضافي حول الموضوع، ومفاده قيام النقابة بتثقيف المعلمين والجمهور خلفيات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وجوهر القضية الفلسطينية، وأيضًا لتدريس سياسات الفصل العنصري الإسرائيلية واعتماد مصادر منظمة العفو الدولية "أمنستي"، ومنظمة "هيومن رايتس ووتش" كمراجع حول تلك الممارسات. والقرار الأخير رفع للجنة التنفيذية للنقابة للبت به؛ خامسًا صوت المؤتمر أيضًا لصالح قرار ثالث، هو البند التاسع والذي يقترح دعم النقابة وترويجها للحقوق والرواية الفلسطينية للأحداث، وإتاحة مصادر لتعليمها للطلاب والتثقيف حولها. المصدر وكالة "وفا" 5/7/2022.

والتوجه أو المؤشر الثاني والهام، تمثل باقتحام أنصار الحق الفلسطيني في تحالف "لا تكنولوجيا للفصل العنصري الإسرائيلي" مؤتمرًا رئيسيًا لشركة "أمازون" احتجاجًا على عقد وقعته إدارة الشركة مع الحكومة الاستعمارية الإسرائيلية لنقل قاعدة البيانات "الإسرائيلية" لتكنولوجيا السحاب يوم الأربعاء الموافق 13 تموز/ يوليو الحالي.

وأوقف المتظاهرون يوم الثلاثاء الموافق 12 من الشهر الحالي، الخطاب الرئيسي في قمة أمازون ويب سيرفيسز (AWS) في مركز جافيتس مانهاتن بمدينة نيويورك للفت الانتباه إلى العقد المذكور، وتيسير استخدام أدوات المراقبة على الفلسطينيين.  واتهم المتظاهرون الشركة بالترويج لسياسة الفصل العنصري الإسرائيلية، والمساهمة بالتهجير والفصل العنصري الذي يتعرض له أبناء الشعب الفلسطيني.

هذه وغيرها من المؤشرات الدالة والهامة على اتساع دائرة التطور الإيجابي داخل أوساط الرأي العام الأميركي. المطلوب من الشعب الفلسطيني وأشقائه العرب وأنصار السلام تعزيز الدبلوماسية الشعبية داخل منتديات وقطاعات الشعب الأميركي لإحداث التحول النوعي الاستراتيجي المطلوب لقلب الطاولة على داعمي الاستعمار الإسرائيلي الذين يهددون السلام والتعايش وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني أسوة بشعوب الأرض.

 

المصدر: الحياة الجديدة