لا يمكن إلا أن نسمي الأشياء بأسمائها، إن قتل الصحفية شيرين أبو عاقلة هو جريمة حرب بشعة ووقحة، بل أكثر من ذلك، هي مذبحة للصحافة والإعلام، إنه إصرار صهيوني لقتل صوت وعين الحقيقة الفلسطينية وكل حقيقة، لأن كل روايتهم من أولها لآخرها كاذبة. شيرين كرست حياتها من أجل كشف جرائم دولة الإرهاب الإسرائيلي، ولم تَحِدْ بوصلتها عن هذه المهمة النبيلة، لذلك تعمد جيش حكومة بينيت قتل شيرين، لم يكن برصاصة طائشة، إنها جريمة قتل بسبق إصرار وترصد، فالصحفيون كما ينص القانون الدولي يتمتعون بالحماية ويجب أن تسهل حركتهم ومهمتهم لا قتلهم، لأنهم عين البشرية على الحقيقة. في جريمة قتل شيرين وقتل واغتيال الصحفيين الفلسطينيين المجرم الحقيقي، من يتحمل المسؤولية هو هذا المجتمع الدولي المنافق، الذي لا يحاكم الأمور بمعيار وميزان واحد.

حزني على شيرين مركب فهي زميلة صحفية، وهي فلسطينية، لكنها أيضا صديقة وجارة لي، كنا نلتقي كل صباح، يفصلنا الشارع بين البنايتين، نتبادل التحية نطمئن على بعضنا البعض ويدعو كل منا بالخير للآخر ثم ننطلق للعمل، ما ميز شيرين أنها صحفية نبيلة في خلقها وتعاملها مع كل الناس، نبيلة في وطنيتها مهنية كان همها الوحيد هو فلسطين، وهموم الشعب الفلسطيني ومعاناته، كان همها كيف توصل المشهد الفلسطيني اليومي والحقيقة الفلسطينية لكل بيت عربي.

تعرفت على شيرين قبل أن أراها وجها لوجه عام 1994، عندما كانت أحد الأصوات في إذاعة "صوت فلسطين"، كانت من أوائل المبادرين للانضمام لإذاعة الثورة الفلسطينية عندما بدأت بثها من أريحا من أرض فلسطين. التقيتها وجها لوجه في ربيع عام 1997، في تلك الفترة كانت شيرين قد بدأت للتو العمل كمراسلة في قناة الجزيرة، وكانت هذه القناة هي الأخرى قد بدأت العمل للتو، وكنت أنا مسؤول الإعلام في أول برلمان فلسطيني منتخب، المجلس التشريعي، ومنذ ذلك اليوم وعلى امتداد سنوات كنا نلتقي بشكل منتظم بحكم المهنة ثم أصبحنا جارين ومنحتنا الجيرة فرصة اللقاء اليومي كل صباح.

لم تكن شيرين وجهًا إعلاميًا فلسطينيًا مشرقًا وحسب، بل وجهًا إعلامي عربي وعالمي، لذلك فإن مهمة ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين الذين اغتالوا شيرين أبو عاقلة بنت القدس، هي مسؤولية المجتمع الدولي، الذي يجب أن يغسل عار صمته المريب عن جرائم إسرائيل، التي وصفتها منظمة هيومن رايتس وتش "امنيستي" بأنها دولة عنصرية دولة تطهير عرقي.

السؤال، لماذا تعمد جيش الاحتلال الإسرائيلي اغتيال شيرين وقتلها بهذا الاصرار؟ ولماذا لا يعامل الصحفي الفلسطيني كأي صحفي في العالم، بأن يتمتعوا بالحماية؟

شيرين لم تقتل خلال عملية تبادل لإطلاق النار، كما تدعي الرواية الإسرائيلية، لقد كشفت الفيديوهات بالصورة والصوت، والشهادات الميدانية من زملائها الصحفيين أن شيرين كانت ضمن مجموعة من الصحفين الفلسطينيين ترتدي هي والآخرون الزي الصحفي ولم يكن في المكان أي اشتباكات مسلح بل كان طرف واحد وحيد ومجرم وحيد هو جيش الإحتلال تعمد إطلاق النار على الصحافين وقتلهم وقتل شيرين بسبق إصرار. المسألة ببساطة هي أن المجرم يخاف من أي طرف قد يكشف جريمته، وأقصر الطرق لإخفاء جرائم الحرب هو قتل الصحفيين ومنعهم من أداء مهمتهم. فالصحفي يوثق وينشر ما يوثق، لذلك هو مستهدف بقصد طمس الحقيقة.

نفاق العالم هو المدان هنا، هذا العالم الذي يرفع صوته ويدعي دفاعه عن حقوق الإنسان، عند قتل أي صحفي في أي موقع، ويتحول كما القرود الثلاثة لا أسمع لا أرى لا أتكلم.

ماتت الجميلة والصديقة شيرين أبو عاقلة، لكن رسالتها الإعلامية والوطنية لن تموت.

 

المصدر: الحياة الجديدة