ربما الشعب الفلسطيني هو الأكثر فهمًا وإدراكَا لمكانة المسجد الأقصى المبارك الدينية والرمزية، فهو يولد في بيئة لها علاقة يومية وعضوية بالمكان، ويحتل فيها الأقصى جزءًا كبيراً من الحديث اليومي، وهو أحد أهم رمزيات الثقافة الوطنية إلى جانب كنيسة القيامة في القدس وكنيسة المهد في بيت لحم وكنيسة البشارة في الناصرة.

والأهم أن الفلسطيني يدرك تمامًا أن المعركة التي تجري في المسجد الأقصى للدفاع، والاستماتة في الدفاع عنه، هي معركة القدس والسيادة على القدس والدفاع المستميت عنها.
ومن يتابع ردات فعل الشعب الفلسطيني في كل أماكن توجده سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو علمانيين فإنهم جميعًا يتبادلون الأخبار والصور والفيديوهات التي تبرز الأعداد الكبيرة للمصلين الفلسطينيين في المسجد الأقصى، لكونها تعبر عن رفض وطني فلسطيني شامل لوجود الاحتلال في القدس، وإصرار على أن السيادة  الوحيدة في المدينة وما فيها من مقدسات هي سيادة وطنية فلسطينية. وهناك إدراك عام أن خسارة المعركة في الأقصى تعني مباشرة خسارة معركة القدس، ولذلك تأتي هذه الاستماتة الفلسطينية في الدفاع عن الأقصى، وهناك وعي أنه من المحرم خسارة هذه المعركة.

ولم يكن صدفة أن يردد القائد الخالد ياسر عرفات مقولته، التي أصبحت شعار وهدف كل الشعب الفلسطيني، مقولة تختصر العلاقة العضوية بين الفلسطيني مع القدس ومقدساتها: "إنني أرى شبلاً من أشبالنا وزهرة من زهراتنا يرفعون علم فلسطين فوق مآذن القدس وكنائس القدس وأسوار القدس". فما يجري في المسجد الأقصى بالرغم من ما للمكان من قدسية ومكانة دينية وهو أمر كما سبقت الإشارة له أن الفلسطيني هو الأكثر وعيا لهذه المكانة، بالرغم من ذلك، فإن البعد الوطني، مسألة الدفاع عن القدس باعتبارها قلب فلسطين وعاصمة الشعب الفلسطيني، هي المحرك، هي المسألة الجامعة للكل الفلسطيني، لذلك لا نستغرب في فلسطين أن نرى الفلسطيني المسيحي يقف إلى جانب أخيه الفلسطيني المسلم في الدفاع عن الأقصى، والعكس يتم عندما نحدد كنيسة القيامة.

فالقدس هي المكان الذي يوحد أكثر من غيره الشعب الفلسطيني، والدليل أن ما تم ويتم في الحي الفلسطيني العربي المقدسي الشيخ جراح وفي سلوان وكل شبر من القدس هو مقدس وطنيا للشعب الفلسطيني.

لذلك على إسرائيل أن تدرك، وعلى المجتمع الدولي أن يدرك أن الشعب الفلسطيني لن يستسلم ولن يكل أو يمل في الدفاع عن الأقصى والقيادة وكل حجر في القدس لأنها معركة المعارك الوطنية للفلسطينيين.

إن وحدة الشعب الفلسطيني تجد لها ترجمة قوية وصلبة في الأقصى والقدس، ولكن ما نحتاج إليه ولكي نصمد وننتصر في المعركة هو إنهاء الانقسام، فلا حديث جديًا وحقيقيًا عن أي مقاومة في ظل وجود الانقسام، فمن يريد مقاومة الاحتلال على أساس وطني عليه فورًا إنهاء الانقسام. وإذا كان ليس باستطاعتنا إنهاء الانقسام فورًا علينا ألا ننقل هذا الانقسام إلى الأقصى والقدس، فالراية الوحيدة التي يجب أن ترفع في القدس والأقصى هي العلم الوطني الفلسطيني.

معركة المسجد الأقصى هي في المعنى التاريخي والاستراتيجي معركة مصيرية.. هي معركة وجودية ليس للشعب الفلسطيني وإنما للأمة العربية، فالهزيمة في الأقصى هي هزيمة العرب الكبرى في هذا العصر.


*المصدر: الحياة الجديدة*