ألقى السيد الرئيس محمود عباس يوم الجمعة الفائت خطاباً عبر الزووم أمام الدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وأجزم أن الخطاب حمل جديدًا معلناً ونوعيًا أمام المنبر الدولي الأول والأهم والرأي العام بمستوياته المختلفة. لم يكن خطابًا تقليديًا، بل تجاوز النمطية السائدة في الرؤية السياسية الفلسطينية، وعكس المزاج الشعبي الفلسطيني في مخاطبة العالم في وصوله إلى حالة من القنوط والاستياء والسخط على حد سواء من آليات العمل الدولي تجاه مسألة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وحاكى العالم في قضايا الملف الفلسطيني كافة، والاستعصاء الاستعماري الإسرائيلي، والمداهنة العالمية عمومًا والأميركية خصوصًا لدولة الإرهاب والجريمة المنظمة الإسرائيلية وعلى حساب الشعب الفلسطيني والتنفيذ الأمين والمسؤول لاستحقاقات السلام وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967. ووضع خلفية له أثناء إلقاء كلمته مجموعة الخرائط الفلسطينية وحجم التآكل الذي حصل في الأرض الفلسطينية نتاج عمليات الاستيطان الاستعماري الإسرائيلي، في ظل الصمت الدولي المريب، الذي أعطى دولة التطهير العرقي الضوء الأخضر لاستباحة حقوقنا ومصالحنا الوطنية، وقتل أبناء الشعب الفلسطيني على مرأى ومسمع العالم كله دون أن يحرك ساكنًا.

من تابع الخطاب جيدًا بالتأكيد استوقفته جملة من المفاصل السياسية، التي تضمنها، وأدلى بها رئيس الشعب الفلسطيني، ومنها: أولاً بدأ على غير العادة بملف عودة اللاجئين الفلسطينيين، ولم يستخدم المفهوم السياسي السابق في الخطاب الفلسطيني العام، الذي كان يركز على حل مسألة اللاجئين وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، والحديث هذه المرة جاء قاطعًا لا يحمل التأويل أو الغموض في هذا البعد، عندما أكد فقط على العودة وفق القرار الدولي 194، والذي يتضمن حق العودة والتعويض للاجئ الفلسطيني، ويشمل الكل الفلسطيني، أي السبعة ملايين. وعندما رفع وثيقة الطابو التي تخصه شخصيًا، وتخص عائلته، كان ذلك ذات دلالة هامة، ليؤكد حقه في العودة لبيته وأرضه ولحقوقه المسلوبة. 
ثانيًا رد وتحدى كل مزوري الحقائق، الذين كل ما دق الكوز بالجرة،حملوا القيادة والشعب الفلسطيني المسؤولية عن تضييع الفرص في صناعة السلام، وأكد أن القيادة لم تترك شاردة أو واردة أو دعوة من أجل السلام إلا وطرقتها. قال أنا شخصيًا وضعت رصيدي كله من أجل بناء السلام. لكن دون نتيجة تذكر؛ لأن الإسرائيليين لا يريدون السلام، ولا يوجد فيهم شريك لبناء ركائز السلام الممكن والمقبول، أي حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، وأكد أن القدس الشرقية كانت وستبقى عاصمة للدولة الفلسطينية، ورفض سياسة التطهير العرقي في أحيائها، وعدد المذابح والمجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية والقرى التي دمرتها إسرائيل ويزيد عددها على 500 قرية وبلدة.
ثالثًا والنقطة الهامة التي طرحها بقوة ووضوح، ودون التباس أو مناورة في ضوء الاستعصاء الإرهابي الصهيوني، وغياب وتلكؤ المجتمع الدولي لفرض خيار حل الدولتين، هي الخيارات الثلاثة، الثاني بالإضافة للحل المذكور آنفًا، العودة لتطبيق قرار التقسيم 181 الصادر في 1947، والذي قامت على أساسه الدولة الإسرائيلية نفسها، وربط بين إقامتها وإقامة الدولة الفلسطينية على مساحة 44% من مساحة فلسطين التاريخية، وهذه المساحة ضعف الدولة الفلسطينية على حدود حزيران 1967؛ والثالث الدولة الواحدة على كل فلسطين وعلى أساس المساواة في الواجبات والحقوق الكاملة.
رابعًا وهذا البند ليس جديداً، إنما عاد وأكده مجدداً، مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة والمنظمات الدولية ذات الصلة بتأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني من جرائم دولة التطهير العرقي الإسرائيلية، وأيضًا المطالبة بالبدء فورًا بوضع الترتيبات الضرورية لعقد مؤتمر دولي ملزم برعاية الرباعية الدولية لإحلال السلام خلال عام واحد؛ لأن الشعب الفلسطيني ضاق ذرعًا، ولم يعد مستعدًا للمراوحة في ذات المكان. وأكد في السياق، أننا لن نسمح للإسرائيليين بالاستيلاء على أحلامنا وطموحاتنا في الحرية والاستقلال. وأكد أننا لن نستسلم وسنقاوم البلطجة والوحشية الإسرائيلية، ولن نسمح لهم بتسويق روايتهم الزائفة والكاذبة على حساب روايتنا الأصلية والحقيقية.  
خامسًا وأيضًا هذا البند ليس جديدًا، ولكنه طرحه بقوة، وأكد عبر تساؤله: لماذا نقبل بالاعتراف بإسرائيل؟ وعلى أي أساس؟ بتعبير آخر، إن القيادة الفلسطينية، التي اتخذت هذا القرار سابقًا في المجلسين الوطني والمركزي ستعمل على سحب الاعتراف بإسرائيل، ولن نقبل بأن يكون الاعتراف مجانيًا وعلى حساب حقوقنا الوطنية المشروعة. 
سادسًا وجه التحية للأسرى في هبتهم ولدورهم الريادي في مواجهة الاستعمار الإسرائيلي، وتمسك بشكل قاطع لا لبس فيه بالدفاع عن حقوقهم وحقوق أسرهم وأسر الشهداء والجرحى. وهو رد مباشر على الدعوات والمطالبات الإسرائيلية والأميركية ومن لف لفهم برفض وصفهم بـ "الإرهابيين" وقال بالفم الملآن هؤلاء هم رموز وطنية، دافعوا عن حريتهم وحرية شعبنا.
سابعًا رفض رفضًا صريحًا اتهام الشعب الفلسطيني بممارسة التحريض، وبث الكراهية، لأن الشعب ومؤسساته الوطنية التربوية والإعلامية تتمسك بالرواية الوطنية، وتساءل لماذا نحن الذين يطلب منهم مراقبة خطابنا الإعلامي ومناهجنا التربوية، وفي ذات الوقت يجري غض النظر عن الإعلام والمناهج التربوية والقوانين العنصرية وفتاوى رجال الدين الإسرائيليين، التي تنهل جميعها من وعاء العنصرية والكراهية والقتل والفاشية على مدار الساعة. ورفض المساواة بين خطابنا المدافع عن الرواية الوطنية والسلام في آن والخطاب الاستعماري العنصري الفاشي الإسرائيلي.
وجال في الملفات المختلفة بما في ذلك الملفات الداخلية ما يتعلق منها بالدولة ومؤسساتها، وتعزيز العملية الديمقراطية في أوساط الشعب، والوحدة الوطنية والانتخابات بمستوياتها المختلفة، وأشكال المقاومة وعلى رأسها المقاومة الشعبية إلخ. 
دون إطالة كان الخطاب نوعيًا وواضحًا وعميقًا، ولا تشوبه شائبة من الغموض أو الالتباس أو التأويل. وأعتقد أن الخطاب يحتاج للتدعيم والتجذير في الممارسة العملية عبر برامج عمل، وآليات وإمكانيات لتحقيق الأهداف الوطنية، وللحديث بقية.

المصدر: الحياة الجديدة