للذاكرة حياة.. كلما كانت بتمام الصحة والعافية، باتت وسيلة حيوية للإمساك بالتجربة الإنسانية، سواء للفرد، أو للجماعة، بغرض صياغة أفضل السبل للمضي نحو المستقبل، وكلما انطوت الذاكرة على مأثورات أيقونية، خلفها السلف الصالح، تحصنت هويتها الشخصية، والوطنية، والاجتماعية، وتنورت لغتها لا بنصوص الوفاء والتقدير للسلف الصالح، ومأثوراته فحسب، وإنما كذلك بنصوص التكريس لقيم المأثورات الأيقونية، والاحتفاء بها، والقياس بها، لما يمكن أن يكون من مأثورات جديدة، وحين تكون الذاكرة على هذه الحال، فهذا يعني أنه لا مكان ولا مكانة للنسيان، في أروقة هذه الذاكرة وبيوتها.
إنه الطيب عبد الرحيم أمين عام الرئاسة الذي رحل عنا في مثل هذا اليوم، قبل عام هو من جعلنا هنا نتحرى طبيعة الذاكرة الفلسطينية ومكانتها، وإن كنا نعرف أنها الذاكرة التي ستظل كمثل كائن حي حاضر بيننا على الدوام، فلا ننسى أحدًا من زارعي حقولها الخضراء، ورافعي شموسها المضيئة لدروب نضالنا الوطني في سبيل الحرية والاستقلال، ولا ننسى قطعا عطاءهم وما أنجزوه من أجل أن تستمر مسيرة شعبنا في هذه الدروب، وتحقق انتصارها الأكيد.
بالطبع الطيب عبد الرحيم واحد من السلف الصالح في تاريخ حركة التحرر الوطني الفلسطينية، وبمأثورات بليغة القيم الوطنية، في تنورها المعرفي، وصلابتها النضالية، وحرصها الحميم على التآلف والوحدة الوطنية، فهو الذي لم يكن ليختلف مع أحد، حين الموقف يتعلق بأجدى السبل لخدمة فلسطين، ومسيرة شعبها التحررية، وحين الرؤية لا تنحرف نحو الغايات المصلحية الضيقة، وحين المرجعيات تظل فلسطينية تماما.
منه تعلمنا الكثير في حقول الإعلام والصحافة، ومنه أدركنا بلاغة الدمعة النافرة كلما تجسد الجمال في مشهد وطني، وعبارة إنسانية، ومن خلاله صدقنا، كيف لرجل تخطى السبعين من عمره، وما زال في صدره قلب طفل، وطفل حميم الانفعال، وسريع الرضى، بلا حقد ولا ضغينة.
ما زلنا نراه، وسنظل نراه بيننا بابتسامته اللافتة، وبساطته الآسرة، ومحبته للمفارقات الساخرة، وما زلنا نعرفه وسنظل نعرفه الوطني الفتحاوي الاصيل، الذي ما انفك يهتف "أنا ابن فتح ما هتفت لغيرها" بمثله تنورت "فتح"، وتقدمت في دروبها الوطنية الصحيحة، ومن أقرانه اليوم على العهد والوعد باقون.
"كان مثالًا للعطاء، والتضحية، متمسكا بالثوابت الوطنية، والشرعية الفسطينية، تربت على يديه أجيال كثيرة في هذه المسيرة فكان مثال القائد والمعلم، علمًا من أعلام فلسطين ومسيرتها التحررية مدافعا صلبا عن القرار الوطني المستقل متمسكًا بتقاليد الثوار المناضلين في كل مراحل حياته"، وهذه ليست كلماتنا ولا توصيفاتنا وإن كنا نرجوها لنا إنها كلمات وتوصيفات الرئيس
أبو مازن حين نعى لشعبه رحيل هذا العزيز الذي لا ينسى، الطيب عبد الرحيم.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها