لا تقبل أي سلطة قانون شرعية ورسمية في العالم وجود ميليشيات أو جماعات مسلحة، تخرج إلى العلن تهدد وتنذر الآخر في الوطن مهما كانت جنحة وجريمة وخطورة اعمال هذا الآخر على الكل الوطني، فسلطة القضاء والسلطة التنفيذية بمؤسستها الأمنية في الدولة هي المسؤولة حصريًا عن معالجة كل القضايا المخلة بأمن المواطن والسلم الاجتماعي والوطني.
لا نحتاج إلى جماعات مسلحة ملثمة تتدخل في شأن داخلي يعتبر من مهمات وصلاحيات سلطة الدولة، فتجاربنا مريرة وقد دفعنا ثمنها باهظًا، فنحن بنينا وما زلنا نبني مؤسسة أمنية برجال أشداء، لا شك أبدًا بوطنيتهم، فهم قادة ومناضلون في ساحات المواجهات سابقا في الانتفاضتين، تمرسوا وتدربوا واحترفوا العمل في المهمات الصعبة وشبه المستحيلة، ينفذون أوامر سلطة القانون، الحريصة على روح الإنسان الفلسطيني وسلامته وأمنه ودمه، حيث أمن وسلامة المواطن عندها فوق كل اعتبار.
لا يجوز وليس مسموحًا لأحد جرنا إلى الوراء بعدما وصلنا إليه في تكريس وجودنا دولة فلسطين (الجيوسياسي) على خريطة العالم، فالمجتمع الدولي يتعامل معنا كدولة تحت الاحتلال لها مؤسساتها الرسمية حتى وإن كانت غير مكتملة السيادة، ومع احتفاظنا بحق المقاومة المشروعة واختيارنا أسلوب المقاومة الشعبية السلمية، فإننا نحرص على إقناع العالم بجدارتنا وحقنا في دولة مرفوعة على أركان مؤسسات رسمية رئيسية، ومنها الأمنية التي تعتبر أهم علامة للدول، ناهيك عن حاجة شعبنا الرئيسية في المواءمة ما بين الكفاح والنضال اليومي ضد الاحتلال حتى التحرير وعملية البناء التي لا يمكن أن تستمر وتتوازى مع النضال الشعبي بدون غطاء أمني قانوني رسمي، يمنع الاختراقات الأمنية المعادية بكل أشكالها، فساحتنا الوطنية تتعرض لاختراقات من جهة منظومة الاحتلال كما تتعرض لاختراقات من قوى ودول إقليمية تسعى لتكوين مراكز نفوذ (مخالب) في بلدنا تحت شعارات عديدة فارغة لتستخدمها، فيما ردود الفعل تنعكس علينا سلبًا موتًا عبثيًا ودمارًا.
إن للحرص الوطني السليم الصحيح ألف وسيلة وأداة للتعبير عنه في لحظات يستشعر فيها المواطن الملتزم في إطار تنظيمي، أو يستشعر التنظيم الوطني الخطر من أي جهة كانت، وذلك بالعمل عبر أطر تنظيمية مشروعة، بإمكانها توفير المساندة المطلوبة لسلطة الدولة –رغم وقوعها تحت الاحتلال– بالتفكير بعقل جماعي والعمل بروح الولاء والانتماء الوطني، وإظهار ذلك عبر فعاليات منظمة محسوبة تحت حماية القانون وضمانة وكفالة حرية التعبير عن الموقف والرأي المصانة في القانون الأساس.
قد يقول قائل إن فلسطين كدولة ما زالت في ظرف استثنائي نظرًا لواقع الاحتلال الاسرائيلي، ونظرًا لوجود اختراقات هنا وهناك عملت منظومة الاحتلال الاستعماري العنصري الإسرائيلي على توسعتها وتعميق مستواها كلما سنحت لها الفرصة. وغذّت ارتباطات وانتماءات تعلي الالتزام الأعمى والانقياد لسلطة العشيرة أو العائلة أو جماعة تنظيمية أيديولوجية ما على حساب الانتماء والالتزام الوطني، ويبرر البعض رؤيته بوجوب وجود مجموعات مجهولة المرجعية ملثمة الوجوه كمثابة ضغط وقوة مساندة لسلطة الدولة، مجموعات بعضها قد يتصرف المسؤولون عنها بدافع حرص وحس وطني، وبعضها الآخر قد يكون مقدمة ومؤشر لوضع تالٍ لا تحمد عقباه، وفي هذا السياق، فإننا ونحن نفترض حسن النية في الدوافع وتوقيت الظهور، إلا أننا يجب أن نجاهر بحقيقة هامة وهي أن مخاطر هذه الظواهر –رغم حسن النوايا المفترضة– أكبر بكثير على سلطة الدولة من نتائجها مهما كانت إيجابية أو رادعة للبعض، ذلك أنها تفتح الأبواب على انفلات أمني ومجتمعي لا يمكن ضبطه على اساس الفعل ورد الفعل، كما تهدد مكانة القانون في سلطتي الدولة القضائية والتنفيذية، ما يعني تراجع مكانتها على الصعيدين المحلي الوطني والدولي، ويجب ألا يغيب عن بالنا للحظة أن منظومة الاحتلال الاسرائيلي المستفيد الأول والأخير من إنهيار ركائز دولة الشعب الفلسطيني، وتلاشي الآمال بتجسيد المشروع الوطني قبل استكمال إنجاز الاستقلال.
مخطئ من يظن أن المؤسسة الأمنية الفلسطينية عاجزة عن ضبط الأمن، أو أنها تحتاج الى وسائل وأدوات (تهديد ملثمة)، ومخطئ من يعتقد أن القيادة الفلسطينية السياسية وقيادة المؤسسة الأمنية قد تتوغل يومًا في دم المواطن الفلسطيني، فالحوار العقلاني، ومنطق الاقناع، ناظم اساسي للعمل في الساحة الوطنية، وكذلك سحب البساط من تحت كل من تسول له نفسه إلحاق اذى بالمجتمع والسلم الأهلي، وعلى الذين يظنون بضعف أصحاب القرار الوطني أن يراجعوا حساباتهم جيدًا، فالتعقل إن كان رائدًا قيادتنا السياسية والعسكرية الأمنية، فإنه ليس بلا حدود، خاصة إذا كانت الجريمة بحجم غدر للمشروع الوطني، أو غدر بمستوى تشرذم وانقسام وانفصال.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها