لم يكن المرء يود تعكير الاجواء الوطنية أكثر مما هي معكرة ومشوشة. ولكن كما يقول المثل الشعبي البسيط «مين بيلزك على المر, قال إللي أمر منه!», وهذا حال الدكتور محمود الزهار، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، الذي يتصرف بعد إتمام نصف صفقة التبادل بعنترية مشوبة بمحاذير وابعاد، أقلها وضوحا او سفورا، أنه يصب على نار الفتنة الوطنية زيتا أسود.

مما لا شك فيه ان صفقة التبادل، التي عولجت في هذه الزاوية أكثر من مرة، ببعديها الايجابي المتعلق بالافراج عن (1027) اسيرة وأسيرا، والسلبي المتصل بالعلاقة مع الاميركان، وغلاة تنظيم الاخوان المسلمين في تجسير العلاقة بين «حماس» والغرب عموما ودولة الابرتهايد الاسرائيلية، وبتلميع حركة حماس نفسها، واخراج نتنياهو من ازمته، وتواطؤ طرفي الصفقة على المشروع الوطني الفلسطيني وتوجه القيادة الفلسطينية الى الامم المتحدة، واستهداف رئيس منظمة التحرير شخصيا بالتحريض كمقدمة لارتكاب جريمة اغتيال كما اعلن امس الأول افيغدور ليبرمان، وزير خارجية اسرائيل وفق ما اوردته صحيفة «هآرتس» ووكالة معا، قائلا «ابو مازن العقبة الوحيدة امام السلام ويجب إزالتها». كما ان الصفقة لم تتم بالتنسيق مع قيادة السجون، وتخلت عن العديد من القيادات الوطنية، وتخلت عن مناهضة سياسة الابعاد، التي هللت وكبرت ضدها عندما تم ابعاد مناضلي كنيسة المهد، وساوت بينها وبين الخيانة!

مع ذلك غلَّب الوطنيون وعلى رأسهم الرئيس محمود عباس البعد الايجابي، الافراج عن المعتقلين واسرى الحرية، وباركوا هذه العملية، واعتبروها نصرا للشعب الفلسطيني، وليس لحركة حماس او لحركة فتح او للجان المقاومة الشعبية، التي، هي وحدها اختطفت الجندي جلعاد شاليط.

في لقاءاته المتواصلة هذه الايام (مع فضائية الاقصى وإذاعة الجيش الاسرائيلي وغيرها من وسائل الاعلام)، ينبري الدكتور الزهار في التحريض على الرئيس ابو مازن، مدعيا حيناً، انه (الرئيس) لا يريد المصالحة، لأنه خضع للولايات المتحدة! ومرة لأنه يتمسك بمشروعه بالاعتراف بالدولة الفلسطينية وكأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 67 «جريمة» !؟ ومرة بشكل غير مباشر، حينما يؤكد ابو خالد، انه «لن يبيع حق الاجيال المستقبلية»، ولسان حاله يقول، ان القيادة الشرعية «تفرط» بحق العودة! ومرة أخرى يشير الى تمسك ابو مازن بخيار المفاوضات كخيار استراتيجي, وكأنه اكتشف الذرة، او انه، اتى بجديد لا يعرفه المواطن الفلسطيني. وخلص الى ان الرئيس «ابو مازن قاوم برنامج المقاومة الذي عزز صمود المفاوض !» على اعتبار ان حركة حماس حركة «مقاومة»، فضلا عن ذلك فإن الرئيس عباس لم يسقط خيار المقاومة الشعبية ولا المقاومة الدبلوماسية ولا غيرها من اشكال المقاومة، لكنه ملتزم ببرنامجه الانتخابي، الذي اعلنه مع ترشحه لانتخابات الرئاسة عام 2004ومطلع 2005، ومازال متمسكا به، وهو ما أكده قبل يومين في القاهرة مع فضائية دريم والنيل الاخبارية المصريتين. ويقول الزهار، وكلامه غير صحيح ويتناقض مع ما تم الاتفاق عليه قبل الصفقة وفيما سيلي الصفقة، «الدلالة السياسية لهذه الصفقة, ان مشروع التفاوض والسلام مع العدو الاسرائيلي (سقط) ولم يحقق شيئا». واذا كان الامر كذلك، لماذا تتواطأ حماس لتكون بديلا لقيادة منظمة التحرير في التفاوض مع حكومة نتنياهو؟ ومرة يتحدى الرئيس عباس بعد الصفقة بأن «يخوض الانتخابات لقياس شعبيته في الشارع الوطني!» وفق ما أوردته صحيفة الرسالة الحمساوية اليومية الصادرة في قطاع غزة. وهنا تتجلى المهزلة الكبرى، ويبرز السؤال دون غيره من الاسئلة، من الذي يرفض الانتخابات يا سيد زهار؟ من الذي يهرب وهرب تاريخيا من الانتخابات؟ ألم يدعكم محمود عباس ألف مرة لها، وبالأمس ايضا عاد ونادى بها في مقابلاته مع الفضائيات المصرية، فإن كنت جاهزا وبعد الصفقة، التي تتغنى بها، فالشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية وفي مقدمتها الرئيس ابو مازن، جاهزون للانتخابات، لترى شعبيتك وشعبية حركتك، التي افتضحت وبان بؤسها وتخريبها وعربدتها.

ليبرمان الصهيوني المتطرف والزهار الاخواني المتطرف والمتناقض مع المشروع الوطني، والوطنية الفلسطينية، كل من موقعه يسعى للتحريض على رئيس الشرعية الوطنية الفلسطينية. كل منهما يريد ان يصفي حسابه مع الرجل، لأنه عقبة في وجه مشاريعهما المشتركة. رجلان من طينة واحدة وان اختلفت المشارب والهويات السياسية، لكنهما وجهان لعملة واحدة، عنوانها معاداة المشروع الوطني. غير ان عملتهما فقدت رصيدها، وانهارت نتيجة إفلاس خزائنها الخاوية.