عندما ينبري معتوه عنصري كأفيغدور ليبرمان، فيقرر بأن الرئيس محمود عباس هو العقبة أمام السلام؛ تكون الأوساط الإسرائيلية الحاكمة وقعت في واحدة من كبائر غباءات التكتيك، الذي يساند استراتيجية التنصل نهائياً من العملية السلمية، وإحلال سياسة التوسع الاستيطاني في الضفة والقدس بدلاً منها، وزرع المزيد من بذور الشر في المنطقة، وتبديد آمال محبي التسوية في بلوغ هدف الاستقرار في هذه الجزء المهم والمشتعل، من العالم!

فليبرمان، وهو من هو، على صعيد الكراهية العنصرية، ومجافاة السياسة؛ تأنف مدركاته مصطلح التسوية، مثلما تأنفها حالته العصبية. هو يحتقر السلام والساعين اليه، ويضبط وجهته بإحداثيات معاكسة للعملية السلمية، ويكذب على نفسه وعلى الآخرين، ويُعد الحقائق منغّصات مُبطلات لبهجة الهذيان!

كبيرة الغباءات هذه، قوامها رعونة اختيار الناطق الذي يتمثل دور الحريص على السلام، من الجانب الإسرائيلي. فلو كان الاختيار راجحاً بمعاييرهم، لأوكلت مهمة النطق التكتيكي الذي يمكن أن يذر الرماد في العيون؛ الى واحد ممن أوهموا البعض في قارات الدنيا، بأنه محب للتسوية وللسلام، وأن لديه مقدار ذرة من الإقرار بشىء من الحقوق الإنسانية البسيطة للشعب الفلسطيني، وأن يكون لديه بعض الصدقية، لدى بعض الساسة في العالم، لكي يظنوا بأن ثمة شىء من الرزانة في لغته السياسية، وأنه رجل حوار كانت له أحاديث مع عناصر من الطرف العربي. عندئذٍ سيكون هجاؤه لأبي مازن وتحريضه عليه، سبباً في إلحاق بعض الحرج على مستوى علاقة القيادة الفلسطينية بالأطراف الدولية!

أما عندما يكون الناطق بلسان الحريص على التسوية، ظاهر العداء للتسوويين قبل المتشددين، من الطرف العربي قاطبة، وأن يكون هو نفسه المكروه بامتياز، من ساسة العالم، لسبب افتقاره للحد الأدنى من اللياقة اللازمة للمشتغلين في الحقل السياسي، وأن يكون فاقداً لأي نص أو مقاربة للعملية السلمية، وممسكاً بمطلقات الأسطورة دون غيرها؛ فإن هذا هو الدليل على أن حكومة تل أبيب فقدت الصواب حيال نفسها، بعد أن فقدته على مستوى التعاطي مع الآخرين! 

كبيرة الغباءات هذه، جعلت حكومة نتنياهو تتوهم بأنها تفعل الصواب وتؤثر في السامعين، عندما تترك لأفيغدور ليبرمان، مهمة 'تصنيف' أبي مازن باعتباره العقبة، والزعم أن هناك من بين الفلسطينيين، من يقبل دور الحارس الطيّع، لكي يفتح لليبرمان ونتنياهو ولأعضاء حكومة المستوطنين، بوابة الخان الفلسطيني لكي يستريحوا ثم يكون 'السلام' الذي يريدونه، بشطب فلسطين وجوداً واستقلالاً وأرضاً وكياناً وكرامة وأمنيات!

فلو أوكلت المهمة، لواحد ممن كانت لهم تجربة في محادثات مع عناصر فلسطينية، أو ممن انخرطوا في العملية السلمية، أو ممن تفاءلوا ورحبوا بإطلاق مسعى التسوية؛ لكان الافتراض قائماً بأن يُصدّق بعض الآخرين ما يذهب اليه القائل. لكن النطق جاء بلسان من لم يرحب بالتسوية أصلاً، ومن يتشاءم من سيرتها، ومن يكره حتى رؤية 'المعتدلين' العرب، ويدعو الى إبادة المتمسكين بالحد الأدنى من الحقوق!

ولعل من سخريات النطق الغبي، أن ليبرمان أوحى كذباً بمعرفة المجتمع السياسي الفلسطيني، وألمح بقلة أدب، الى أن الفلسطينيين جاهزون لأن يتقبلوا فكرة شطبهم من التاريخ ومن الجغرافيا، لو لم يكن أبو مازن عقبة. وبلغت السماجة في محاولات الضحك على ذقن الأمريكيين ومن يؤيد سياستهم في المنطقة، افتراضه أن هناك من سيكون أفضل للتسوية، وليس لهذا الزعم أي أساس في الواقع، اللهم إلا إن افترض بلطجي البار المالدوفي هذا (وليس ذلك بعيداً عليه) أن الشعب الفلسطيني هو عبارة عن صندوق لحم مجمّد، مستورد من الارنجتين مثلاً، تتوجب إحالته الى مطبخ نتنياهو لكي ينقعه في ماء فاتر، لمدة طويلة، لكي فيفك الثلج عنه، ثم يكون التقطيع والتشكيل، حسب ما يبتغي بلطجي البار!

لا موجب للتطير الزائد، من ثرثرات هذا المعتوه. إن المهم والخطير، هو ما يلوح من إشارات الرغبة في الإقصاء والإيذاء، من طرف بعض الأوساط المتصهينة في الإدارة الامريكية وفي الغرب عموماً، قبل أن ينطق المعتوه بأية كلمة في سياقه السخيف. فمع هؤلاء الآخرين، يكون السجال، وأمام هؤلاء تُطرح معايير المنطق السوي، ومعايير العدالة، أما عندما الشيطان يعظ، فعلى الآدميين أن يبتسموا ساخرين!