لم أكن واثقًا من قدرتي على كتابة هذا المقال، بالرغم من أنني عشت زمن الاثنين: ياسر عرفات، وأحمد عبد الرحمن، السبب أنني أعرف أحمد جيدًا بحكم أنني عملت معه في جريدة ومجلة فلسطين الثورة، الذي كان هو رئيس تحريرها، في حين انني لا أدعي أنني أعرف أبو عمار رغم أنني قابلته عشرات المرات، بالاضافة إلى متابعتي الإعلامية والسياسية له عن كثب. ياسر عرفات شخصية مركبة لها أبعاد يصعب حصرها، لكن يمكن فهمه من تلك الوطنية الفلسطينية التي صنعته وصنعها، وأصبح رمزًا بلا منازع لها. أما أحمد عبد الرحمن فيمكن القول إنه أكثر من فهم ياسر عرفات، وقد ساهم في صناعة أحمد الرمز الإعلامي السياسي في الساحة الفلسطينية، وأحمد ساهم بعبقرية بصناعة الرمز الوطني الخالد.

لذلك لم أفاجأ عندما اختار أحمد عنوان كتابه الأهم "عشت في زمن عرفات" ليعبر عن فخره لأنه عاش في هذا الزمن الذي أعاد صياغة الوجود الوطني الفلسطيني، وأعاده الى الضوء بعد ان بقي هذا الوجود متواريًا في العتمة بعد نكبة عام 1948. وفي الوقت نفسه ليقول إنه شخصيًا ساهم في صناعة هذا الفجر الجديد، في هذه الحقبة الذهبية من تاريخ الشعب الفلسطيني، والأهم هو الاعراب عن تقديره الكبير لياسر عرفات ومحاولة أخيرة منه لتخليده تمامًا كما أمضى حياته الى جانب هذا القائد الفذ التاريخي.

قد يكون أحمد قد استعار عنوان كتابه من مقولة المؤرخ الإغريقي العظيم هوميروس في الالياذة "عشت في زمن اخيل" هذا القائد العسكري الذي كان يوصف بأنه نصف إنسان، ونصف إله حسب الأسطورة الاغريق. أن كان أحمد بالفعل قد قام بهذه الاستعارة، وأنا أعتقد أنه فعل، لأنه أراد أن يعطي لهذا القائد وهذه الحقبة بعدها الأسطوري في ملحمة النضال الوطني الفلسطيني.

هذا التقديم كله لأقول أنا بدوري فخور أنني عشت في زمن عرفات وزمن أحمد عبد الرحمن، وفي زمن محمود درويش، مجلة فلسطين الثورة التي كان أحمد على رأسها ساهمت مساهمة كبيرة في صناعة الهوية الوطنية، فلم يكن أحمد متشبعٍا حتى النخاع  بالوطنية الفلسطينية، بل هو من المساهمين الأساسيين في صياغتها بشكلها القومي والانساني الأشمل. ولم يقتصر دور أحمد على هذا الدور الاستراتيجي الكبير، بل هو واحد من بين من شكلوا حالة فلسطينية وطنية متكاملة الملامح من حيث الثقافة والتراث والأهداف السياسية، وهي الحالة التي صنعت في النهاية الحالة الفلسطينية الموحدة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

واكتشف أحمد عبد الرحمن مبكرا، أهمية تمسك ياسر عرفات والقيادة التاريخية لفتح بالقرار  الوطني المستقل، وعمل على ترسيخه كمبدأ أساس في الفكر السياسي الفلسطيني، باعتباره مدخلًا لتحقيق الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير والاستقلال الوطني. وفي نظرة أشمل وفي عناوين سياسية كثيرة سيلاحظ أي شخص موضوعي الدور الكبير الذي لعبه أحمد عبد الرحمن في بناء وصياغة الفكر السياسي الفلسطيني بشكل عام، وهو دور لا يقل أهمية عن دوره في بناء وصناعة الاعلام الوطني الفلسطيني الملتزم.

في الذكرى السنوية الأولى لرحيل أحمد عبد الرحمن، أقول إنني أنا شخصيًا اعتبر أن لأحمد جزءًا مني ومن وعيي ومما أدعيه من صلابة وطنية فلسطينية، لست أنا وحدي بل لكل من عملوا معه وبالقرب منه، بل إن في كل هذا الجيل الذي عاش في زمن الثورة الذهبي شيئًا منه.. طوبى لك أيها الاخ والصديق والرحمة لروحك الطاهرة.