لحرية التعبير قيم أخلاقية ومعايير موضوعية، الخروج عنها، يصيب هذه الحرية بالعطب تمامًا، ويجعل منها مجرد شعار لأغراض شرعنة ثرثرات الاعتراض والاحتجاج الانفعالية، غير الموضوعية، وغير النزيهة، وهي تتهم بلا دليل ولا قرينة، وتصف الواقع بما ليس فيه، وتقرر حالا لا وجود لها!! ونقول هنا عن هذه الثرثرات إنها انفعالية، من باب حسن النوايا، فلا نريد أن نوصفها بغير ما هي عليه في كلماتها المنفلتة، ولا نريد أن نتهمها بأنها مدفوعة الأجر لغايات سياسية، أو حزبية معينة!!!
ومن هذه الثرثرات اليوم ثمة مراسلات تكتب لمواقع وصحف على الشبكة العنكبوتية "أن حرية التعبير باتت مطاردة في بلادنا!!! ويكتب هؤلاء ذلك دون أن يطاردهم أحد، ولو كانت هناك مطاردة لحرية التعبير حقًا، حتى بثرثراتها هذه، لما كان بالإمكان أن يكتب هؤلاء ما يكتبون وما ينشرون!!! ولهم أن يسألوا أنفسهم قبل أن يسألهم أحد، عن حقيقة هذه الحال، التي تجعل مراسلاتهم ممكنة، وحتى بلغتها التي يطالها القانون، وتطالها القيم الأخلاقية، ومع ذلك لا تجد من يكتم أفواهها كما تدعي هذه الثرثرات!
من يرد الصواب لحالنا الوطنية، فعليه بلغة الصواب ذاتها، اللغة التي تجذب، لا التي تنفر، وتبعد، وتفرق، كما هي في الثرثرات الانفعالية، المحمولة على ضغينة الحسابات المريضة، والغايات الذاتية الضيقة!!! نريد للتعبير أن يحظى بحريته النزيهة، المسؤولة، والبناءة، وأن يكون بلغة العقل، لا بلغة العاطفة، وبلغة الروح في سموها الأخلاقي، لا بلغة الجسد في رغباته الحسية.
ليست هذه شروطًا تعسفية لحرية التعبير، إنما هي قيم هذه الحرية، ومعاييرها الموضوعية، وقد جاءت أول مرة في القرآن الكريم "وجادلهم بالتي هي أحسن" والتي هي أحسن: قول الحق في مقامه النزيه، وبلغته الطيبة الكريمة، اللغة التي لا تعرف الشتيمة، ولا التشكيك والاتهام كيفما اتفق!!!
تمعنوا وتفحصوا مشهد حرية التعبير في بلادنا جيدًا، كتابات في مواقع عدة على شبكة الإنترنت، وكتابات، وتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، كثيرها ما أنزل الله بها من سلطان، ولا علاقة لها بحرية التعبير، لا من قريب ولا من بعيد، وبلغة أقل ما يقال فيها إنها لا تحترم لا قواعد اللغة فحسب، وإنما أيضا لا تحترم الموضوعية، ولا الحقيقة، ولا الذائقة العامة، حين تشتم بلا أي تحفظ، أو تقوى!!! ومع ذلك تظل هذه الكتابات والتعليقات بلا أية مطاردة بدليل تواصلها، وقد تراجع بعضها أحيانا، ولكن من باب المساءلة القانونية، المعنية بالحفاظ على السلم الأهلي، والأمن المجتمعي، والقيم الأخلاقية، ليس إلا، وهذه المساءلة لا تعني، ولا تقود للاحتجاز، أو الاعتقال، ولدينا من الأمثلة على حقيقة هذا الوضع ما يصعب حصره هنا.
حرية التعبير إن لم تكن هي حرية البناء في قولها المسؤول، بلا أي جملة من جمل التجني والتوصيفات غير الصحيحة واللاموضوعية، فإنها لا تعود سوى حرية الفوضى والفلتان الإعلامي، وهذه قطعًا لن تخدم مصالح الشعب، والقضية الوطنية، لا في إطاراتها السياسية فقط، وإنما، والأخطر، في إطاراتها الاجتماعية والاقتصادية، والأمنية، وبما يجعل من الحياة اليومية، حياة قلق وارتباك، وهذا من بين أهم ما يريده الاحتلال الإسرائيلي لنا، وما يخطط له بأن يجعل من هذه الحياة، وسيلته لتدمير تطلعاتنا المشروعة في الحرية والاستقلال.
وبعد لا يمكن لحرية التعبير إلا أن تكون فلسطينية، فليس ثمة دم يجري في عروقها، سوى دم الشهداء الذي روى تربة بلاده لأجل تحررها، وحرية أهلها، وكرامتهم، وعزتهم في دولتهم المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، بهذا الدم الزكي الطاهر، حرية التعبير فلسطينية تمامًا، كما أنها بما تحمل من غايات وتطلعات جمالية، فإن حرية التعبير الفلسطينية، لا تتفتح بغير عطر المسؤولية، مثلها مثل زهرة الليمون في بلادنا، لا تتفتح بغير عطر الطبيعة الفلسطينية، وفي لغة المجاز سنجعلها كمثل دبكة "زريف الطول" في مديحها، وبحثها عن مناقب الجمال والحسن عند البشر في إطاراتهم الجامعة، لفرح يحدث بالحياة ويدافع عنها، هذه هي حرية التعبير، ولا حرية للتعبير سواها.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها