ما زالت حكومة الاستعمار الإسرائيلية وأذرعها المختلفة تعمل على تأبيد الاستيطان الاستعماري على أراضي دولة فلسطين المحتلة في الخامس من حزيران 1967 عمومًا، وفرض الضم على القدس العاصمة الفلسطينية تحت وفوق الأرض، وتحديدًا تهويد وأسرلة المسجد الأقصى المبارك، وفرض التقسيم المكاني والزماني فيه، كخطوة متقدمة على طريق تدميره، وبناء الهيكل الثالث عليه. ولا تألو حكومة نتنياهو الفاشية جهدًا لتحقيق برنامجها الاستعماري لنسف مشروع السلام من ألفه إلى يائه، وقطع الطريق على أية محاولات جديدة لبث روح الأمل في العملية السياسية، وتسابق الزمن لفرض وقائع استعمارية جديدة.
وارتباطًا بما تقدم، قامت جماعة ما يسمى "تراث جبل المعبد" يوم الاثنين الماضي بإرسال رسالة جديدة لوزير الأمن الداخلي، عمير أوحانا، طالبته فيها، بالسماح لطلاب المدارس الدينية التوراتية ليس فقط باقتحامات المسجد الأقصى يوميا، وإنما بالمكوث في أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين لساعات طويلة لا تقل عن خمس ساعات يومي الأحد والخميس. ومشروع هذا الانتهاك الاستعماري يهدف لفرض آلية جديدة لتعميق عملية التقسيم الزماني والمكاني للحرم القدسي الشريف، أولًا الشروع بإعطاء دروس دينية توراتية في الساحة الشرقية من المسجد؛ ثانيًا توسيع وتعميق الانتهاك الصهيوني للمسجد الأقصى عبر التموضع التدريجي داخل حدوده، خاصة القسم الشرقي، من خلال التدحرج التدريجي من الحركة والتنقل إلى الثبات مع زيادة أعداد المقتحمين من طلاب المدارس الدينية؛ ثالثًا تكريس الجريمة الجديدة بأدوات ووسائل إضافية للتأصيل لعملية التقسيم، ومنها نقل معدات لإعطاء الدروس الدينية مثل مقاعد ومناضد، ومظلات وقاية لهم من الشمس والشتاء، قد تكون متحركة في البداية، ولاحقا سيتم تثبيت خيام ثابتة في القسم المذكور من المسجد؛ رابعًا سيتلو ذلك وضع جواجز وفواصل بين القسمين الشرقي والغربي للفصل بين المستعمرين وأصحاب الأرض الشرعيين من الفلسطينيين العرب من أتباع الديانة الإسلامية؛ خامسًا بعد فرض الأمر الواقع على مساحة تقدر بـ 10000 متر مربع، والمتلازم مع ما يجري العمل عليه تحت أرض المسجد الأقصى منذ سنوات طوال، وتم فتح أنفاق وطرق رابطة مع البؤر الاستيطانية في سلوان وغيرها من البؤر في الأحياء المحيطة بالمسجد. وهذه الانتهاكات الخطيرة تهدف إلى تغيير معالم المسجد الأقدس بعد الكعبة ومسجد الرسول الكريم في المدينة المنورة لبلوغ لحظة تدميره، وبناء الهيكل الثالث على أنقاضه.
ويلاحظ هنا أن حكومة اليمين الصهيوني المتطرفة وأذرعها الفاشية لن تكتفي بالسيطرة على حائط البراق، بل ستعمل على الهيمنة الكاملة على المسجد الأقصى، مسرى ومعراج النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وتغيير المعالم الديموغرافية للحوض المقدس كله بما في ذلك كنيسة القيامة وجامع الخليفة عمر بن الخطاب، ومن ثم فرض الضم الكلي على العاصمة المقدسة بالعصا الغليظة، وعزلها عن محيطها الفلسطيني في الضفة، ولهذا تلاحق كل مظهر من مظاهر الوجود السياسي والثقافي والإعلامي والتربوي والديني الفلسطيني العربي، مستغلة الوضع غير الطبيعي في المشهدين الفلسطيني والعربي، فضلاً عن استغلالها الفترة الزمنية القصيرة المتبقية من ولاية الرئيس دونالد ترامب.
وعليه تستدعي الضرورة العمل على، أولاً توحيد جهود كل أبناء الشعب الفلسطيني في العاصمة المقدسة؛ ثانيًا تحشيد جهود كل القوى والنخب السياسية والدينية والثقافية الوطنية من رأس الناقورة حتى أم الرشراش للدفاع عن أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين؛ ثالثًا التنسيق مع المملكة الأردنية الهاشمية أولاً ومع الأشقاء العرب ومنظمة التعاون الإسلامي للتصدي للجريمة الجديدة، وعدم الانتظار حتى فرض الأمر الواقع، بل تملي الضرورة التحرك من الآن وبسرعة، وضمن خطة عمل موحدة؛ رابعًا التوجه للمنابر الأممية ذات الصلة لتحميلها المسؤولية عن الجريمة الإسرائيلية، وفي السياق التعاون مع الفاتيكان والكنيسة الأرثوذكسية في روسيا واليونان لوقف الجريمة.
لكن سيبقى الرهان بوقف الجريمة الصهيونية الالتفافية الجديدة على الشعب الفلسطيني أولاً وثانيًا .. وعاشرًا، الذي تصدى في تجربتين سابقتين، هما فتح باب الرحمة، وإسقاط وإفشال الأبواب الإلكترونية عام 2017، على الكل الفلسطيني حمل معول وراية الدفاع عن المسجد الأقصى، الذي يخص المسلمين دون سواهم من أتباع الديانات الأخرى. وإسقاط جريمة تهويده وتقسيمه وتدميره.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها