سألني سائل: عرفتُك فتحاوياً، فهل أنت متفائل؟

أجبتهُ باهتمام: أنا مدينٌ لك على سؤالك الذي يعبِّرُ عن اهتمامك، وقد أيقظتَ كلَّ مشاعري، وبت على أهبة الاستعداد، للتفاعل مع سؤالٍ هو كلُّ شيٍ في حياتي، فأنا فخورٌ أن اكون فتحاوياً، لأنَّ هذه الفتحاوية، هي المدخل إلى الانتماء الوطني الفلسطيني، الجامع لكل طاقات وأحزاب وطوائف ومذاهب الوطن. والتحصُّن داخل القلعة الوطنية الجامعة هو الذي يمنح المنعة والقوة والصلابة في مقاومة الاحتلال.

لقد سألتني سؤالاً وجيهاً ويحمل في طياته الكثيرَ من الحيثيات، وأنا أقول لك: أنا دائماً متفائل، ولا أقبلُ أن أكون متشائماً، لأنني صاحبُ قضية وطنية، هي كلُّ شيء في حياتي، فأنا فلسطيني، وهناك أماناتٌ غالية في رقبتي إِبتداءً من القدس وأقصاها، وكنيستها، مروراً بخليل الرحمن، ومعراج الرسول محمد صلى الله عليه وسلَّم، ومهد المسيح عليه السلام. وأنا الفلسطيني أرضُ الرباطِ وحمايتُها تسكنُ في عقلي، وفي قلبي، وهي جزءٌ من أركان وجودي، ووجداني.

ثم سألني السائل بجدية: هل مازلت مقتنعاً بالانتماء إلى حركة فتح كطريق وطني سياسي لتحرير الأرض وتحقيق الأهداف التي تنشدها؟

أجبتُهُ لقد انتميت إلى حركة فتح بعد معركة الكرامة مباشرةً العام 1968، وقرأتُ عنها قبل ذلك، وأُعجبتُ بشخصية ياسرعرفات، وأبو جهاد خليل الوزير، وشدَّتني إلى الانتماء لفتح تلك البطولات النادرة، والعمليات الجريئة عند الانطلاقة، وبعد النكسة، ووجدت في فتح البطولة، والشهامة، والعزة الوطنية، والبحث دائماً عن النصر أو الشهادة، كما أعجبتني تلك العفوية والطيبة والأصالة التي تميِّز هذه الحركة. وهذه القاعدة الشعبية الجماهيرية الواسعة تؤكد أن حركة فتح هي ولدت من الرحم الفلسطيني، والانتماء إليها ليس معقَّداً، وليس مشروطاً بشروط تعجيزية وتعقيدية. وأذكر أثناء أزمة نكبة مخيم نهر البارد في العام 2007 قصدني في مكتبي في البداوي شابٌ متزوج من مخيم نهر البارد، وطلب مني بكل هدوء مساعدته لشراء الدواء والحليب، وعندما بدأتُ أكتب له كتاباً للصرفِ قال لي بكل أدب: أريد أن أقول لك حاج أنني لستُ عضواً في حركة فتح حتى يكون عندك علم. فقلتُ له بهدوء: أنت من حركة فتح، فقال لي أنا لا اكذب عليك. فقلت له: هل تحب فلسطين؟ فقال نعم. ثم قلت له: وهل تؤمن بتحرير فلسطين من الاحتلال؟ فقال نعم. فقلت له إذن أنت عضو في حركة فتح، وأنا لا أطلب منك اكثر من ذلك، والمكتبُ مكتبك، وما أُقدمه لك ولأسرتك هو حق لك مشروع لأنك فلسطيني. ثم خرج مسروراً، وأصبح يتردد بارتياح على مكتبنا.

• ثم عاد السائلُ الأول متسائلاً، ومتلهفاً لسماع الجواب: أراك متفائلاً، واثقاً من قناعاتك بهذه الحركة، فما هي المقاييس التي تعتمدها في حكمك على الأمور؟ وما هي الظواهر التي تستند إليها في بناء قناعاتك؟ وماهي السلوكيات التي تبني عليها أحكامك؟؟ قلتُ له: قبل أن أجيب بالتفصيل، أوكد أن حركة فتح ليست حزباً عقائدياً وايديولوجياً، وانما هي تنظيم وطني فلسطين يؤمن بتحرير الأراضي المحتلة، واستخدام كافة الوسائل والادوات التي أقرتها الشرعية الدولية للشعوب من أجل إستعادة أراضيها، وحرية شعوبها، وبناء دولها المستقلة.

لقد سألتني عن المقاييس، والظواهر، والسلوكيات التي أبني عليها قناعاتي بأن حركة فتح مازالت بخير، وإليك التالي، وهذا ما ثَبُتَ لي من خلال تجربتي الطويلة:

• تكون حركة فتح بخيرعندما يتوفر فيها مايلي:

أ-عندما تتوافر عند أعضائها الجرأة في قول كلمة الحق، لأنَّ الجماهير تحترم حركة فتح التي أسسها وقادها الرمز ياسر عرفات ورفاق دربه الذين تمَّيزوا بالجرأة والمصارحة، وكسبوا ثقةَ شعبهم.

ب- عندما يتمسك الأعضاءُ بالقيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية والوطنية، ويفتخر بها الأعضاء كمنهجيةٍ سلوكية تكون فتح بخير.

ج- عندما تنتشر المحبةُ والألفة بين أبناء الحركة تصبح الحركة هي قلعة الصمود الوطني في مواجهة كل المؤامرات.

د- تكون حركة فتح بخير، ولديها القوة والمنَعَة، عندما تطبِّق العدالة بين أبنائها، وُتنصفُ المظلومَ وتحاسبُ الظالمَ، لأنَّ العدل هو أساس الملك.

هـ- أهم وأعظم المراحل التي عاشتها حركة فتح وهي العنوان الأصيل لديمومتها عندما كان أبناؤها المقاتلون يتسابقون من أجل تقديم أرواحهم شهداء في تنفيذ العمليات العسكرية، لأن الانتماء للحركة كان جوهره التضحية من أجل الآِخرين. 

و- تكون حركة فتح بألف خير عندما تدخل إلى القاعدة، أو المكتب أو المقر، ولا تستطيع أن تميِّز بين القائد وعناصره لأنهم أسرة واحدة، ويؤلف قلوبَهم الأخوَّةُ والمحبة، والاستعدادُ الدائم للتضحية من أجل فلسطين، فالقادة العسكريون وغير العسكريين الذين أسسوا تاريخنا النضالي، لم تكن تميِّزهم عن غيرهم إلاَّ عند إعطاء الأوامر، والتعليمات العسكرية، والتوجيهات المسلكية الثورية، وما زلنا نتذكر وهم قدوةُ لنا، نعيم، ورياض عواد – والحاج حسن ابن طوباس (كتيبة الجليل)، ومحمد علي (الجليل)، وبلال الأوسط، وجواد الميليشيا، وعلي أبو طوق الجرمق، وغيرهم الكثيرون، وهذه الصور المشرقة مازالت باشراقتها الثورية تضيء لنا طريق الثورة والعزة والكرامة.

ز- وأجمل ما كان يميِّز حركة فتح تلك الطيبةُ، والعفويةُ الوطنية، والمصارحة الأخوية، ونبذُ الفرقة، والتسابق إلى التسامح وتعزيز الثقة، وكلُّ خلاف كان يتم خنقُه في مهدِه، ودفنه تحت التراب، لأنَّ حركة فتح في سباق مع الزمن.

ح- تكون حركة فتح بخير عندما ينقرض عدد المتسلقين والانتهازيين الذين يبحثون عن مصالحهم ومكاسبهم شأن كل ثورات العالم، التي يعيش فيها الصراع المتواصل بين الثوريين أصحاب المبادئ، والانتهازيين الذين يبحثون عن الفرص المؤاتية لتحقيق المكاسب الشخصية، والمتسلقين الذين يفكرون دائماً كيف يدوسون على رقاب الآخرين، من أجل تحقيق الأهداف الذاتية وليست الثورية والوطنية.

عظمة حركة فتح كانت دائماً أقوى من المؤامرات ومن الفتن، وتستمدُّ قوتَها دائماً من عظمة شعبها، وطهارة شهدائها، وعذابات وآلام أسراها الذين يضحون بكل ما لديهم، ويصبرون على معاناة فراق أهلهم، وزوجاتهم، وأبنائهم وأحبائهم من أجل الحفاظ على كرامة وهيبة وصلابة حركة فتح، لأن حركة فتح هي عنوان كرامة القضية الفلسطينية.

ط- ومن المفارقات التي لا بدَّ من ذكرها، وهي شرفٌ لنا أن نذكرها، بأنَّ الكثيرين حاولوا إمتطاء هذه الحركة التاريخية، وخطفَها إلى اتجاهات مجهولة، وتعريتها من رجولتِها، وسرقة مكنوناتها الجوهرية التي استودعها فيها الرمز ياسر عرفات وأخوانه المؤسسون، ولكنهم فشلوا، وسقطوا، وتكسرت أرجلهم وأيديهم، وداسهم التاريخ، وظلت فتح التي فيها خميرةُ البركة والقدسية تعتلي صهوتَها رغم الرياح العاصفة، ورغم الاحقاد الدنيئة، ورغم الطعنات المتوالية، ورغم محاولات إذلالها وامتطائها، فهي من صناعة الشهداء، ومشحونة ببركة الانبياء، وبرحمة الرحمن.

 

الحاج رفعت شناعة

عضو المجلس الثوري لحركة "فتح"

23/7/2020