تقرير: زهران معالي
شكّلت "واقعة جبل العُرمة" في بلدة بيتا جنوب نابلس، منذ أكثر من شهر حديثا للإعلام، فلا يكاد يسيطر فيروس "كورونا" على حديث الأخبار، حتى تعود أحداث ملاحم بطولية يسطّرها أبناء البلدة على أرض الجبل، للتربع على الأحداث من جديد.
ومنذ الخامسة فجرا، تتسارع أجراس منبه الأخبار في مجموعات للصحفيين عبر تطبيق "واتس أب" بأخبار متلاحقة عن اقتحام أرتال جيش الاحتلال لقمة الجبل، حيث مئات المواطنين المرابطين منذ الليلة الماضية لصد اقتحام معلن للمستوطنين.
عمر بني شمسة أحد الشبان، الذين باتوا ليلتهم أعلى الجبل، قال لمراسل "وفا" إن مئات من أبناء البلدة توافدوا منذ الليلة الماضية للرباط في المنطقة لحمايتها وحراستها؛ ضمن فعالية أعد لها شبان البلدة منذ أسبوع، لصد اقتحام أعلن عنه المستوطنون على مواقع التواصل الاجتماعي صباح اليوم الأربعاء.
ويضيف ان قوات راجلة من جيش الاحتلال بدأت مع ساعات الفجر محاصرة الجبل من كافة الجهات، وباشروا بإطلاق وابل من قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي المغلف بالمطاط، ما اضطر المرابطين للنزول إلى اسفل الجبل باتجاه البلدة.
وخيم دخان قنابل الغاز المسيل للدموع الذي أطلقته بنادق الجيش وطائراته المسيرة على المكان بدلا من الضباب في ساعات الفجر، فيما فر الشبان إلى أسفل الجبل هربا من الرصاص الحي والمطاطي، وتلاقوا مع أبناء البلدة الذين هبوا كبارا وصغارا استجابة لنداء صدحت به سماعات مساجد البلدة، لمؤازرة المرابطين والمدافعين عن الجبل.
ويقع الجبل إلى الشرق من بلدة بيتا، على ارتفاع 843 مترا عن سطح البحر، وتظهر بقايا قلعة قديمة، وخزانات مياه ضخمة محاطة بقاعدة دائرية، كشاهد على حضارات سالفة عاشت في المكان منذ قرون، ويطل الموقع الأثري على السلط الأردنية شرقا، وشاطئ البحر الأبيض المتوسط غربا، وعلى قرى جنوب وشرق محافظة نابلس.
ويعاني "العُرمة" كبقية المواقع الأثرية والدينية في فلسطين؛ التهديد المستمر من الأطماع الاستعمارية الإسرائيلية في السيطرة؛ تحت ذرائع وادعاءات باطلة، ازدادت حدتها بعد إعلان خطة ترمب، وشهدت الفترة الماضية دعوات استيطانية لتنظيم مسارات للمستوطنين للجبل، لكن في ظل التحدي والإجراءات العملية التي تتخذها بلدية بيتا والوزارات المعنية لتثبيت الحق الفلسطيني في المكان، فشلت حتى اللحظة المخططات الاستيطانية.
الشهيد محمد عبد الكريم حمايل (15 عاما) و112 إصابة متنوعة بين الاختناق بالغاز المسيل للدموع والرصاص الحي والمطاطي، كانت حصيلة المواجهات التي استمرت قرابة ست ساعات على قمة الجبل، وفق جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.
أمام غرفة العناية المكثفة بمستشفى رفيديا الحكومي الذي تعامل مع 17 إصابة من المواجهات، يواسي فتية بعضهم، فيما يمسح أحدهم دموعه، أشاروا إلى الغرفة "محمد استشهد، أمه وأبوه وإخوانه يودعونه في الداخل."
الشاب بني شمسة كان أحد المتواجدين أمام الغرفة، بدت عليه ملامح القلق والترقب، قال إنه ينتظر أي خبر يفيد بتحسن على صحة ابن خاله المصاب إسلام دويكات الذي أصيب برصاصتين مطاطيتين بالرأس خلال المواجهات، ووصفت المصادر الطبية حالته بالخطرة.
وتحدث بني شمسة بأن الشهيد محمدا قد صعد مع المرابطين الليلة الماضية لساعة متأخرة وعاد وبات في منزل عائلته، لكنه هب مع المواطنين عندما سمع نداء الاستغاثة فباغته قناص إسرائيلي برصاصه في رأسه.
ما أن أعلن عن استشهاد الشاب حمايل حتى امتلأت ساحات المستشفى بأهالي بلدة بيتا. أمام ثلاجة الموتى انتظر الجميع جثمانه، وبينهم شاب تلطخت ملابسه ويديه بالدماء كمن خرج من معركة، إنه الشاب سالم حمايل (23 عاما)، الشاهد على جريمة اعدام الشهيد محمد.
وروى الشاب حمايل بأنه شاهد جنودا قناصة جلسوا على ركبهم وأطلقوا الرصاص باتجاه الشهيد محمد حيث أصيب بالرصاص الحي بمنطقة الرأس، وكذلك على شابين آخرين أحدهما إسلام دويكات، بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط بمنطقة الرأس أيضا.
ويضيف ان جنود الاحتلال منعوا إسعاف الهلال الأحمر من الوصول للمصابين، وانهم اضطروا لنقل الشهيد محمد بمركبة خاصة وتمكنوا من إيصاله لإحدى مركبات الإسعاف.
"ما حدث اليوم متوقع من الاحتلال والمستوطنين، خاصة بعد صدهم الأسبوع الماضي، لكن على جبل العرمة صامدين ومرابطين ولن نتخلى عن شبر واحد من بيتا".. يؤكد حمايل.
ووصف رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان وليد عساف، الذي أصيب خلال المواجهات، أن ما جرى جريمة من جرائم القانون الدولي، قائلا: كان إطلاق نار على المدنيين من مسافة صفر، قناصة جلسوا على ركبهم وأطلقوا الرصاص الحي على الجميع، لم يكن ضرورة لإطلاق النار كنا نجلس مدنيين، وكان إصرار وتخطيط من الجيش لارتكاب الجريمة يريدون ردع الناس ورد كرامة الجيش الذي هزم بالمعركة السابقة.
وأضاف عساف "ان لجان المقاومة الشعبية وشباب بيتا لن يستسلموا وأن المعركة مستمرة ولن يسقط الجبل، فإذا سيطر الاحتلال على العرمة بالقوة والوحشية باللحظات الأولى فإن الشباب ما زالوا على الجبال المحيطة بالعرمة، وستستمر المعركة للمساء ولغد ولن يستسلم الفلسطينيون في هذه المعركة".
وشدد عساف: لن نسمح بمستوطنة جديدة في جبال: صبيح والعرمة وجبل النجمة في أراضي قصرة وجوريش وعقربا، الاحتلال يريد تشكيل بؤر استيطانية متتالية تربط مستوطنة "ايتمار" شرق المدينة بمستوطنة "تفوح" و"أرئيل"، لترسيم خطوط صفقة القرن.
وتابع: "الكورونا" الاستيطانية، المستوطنون وجيش الاحتلال أسوأ من "الكورونا" وعلينا أن نعلن حالة الطوارئ لمواجهة الاستيطان كما الكورونا، كون وحشية المستوطنين أشد خطورة على الشعب الفلسطيني من الفيروس البغيض.
وأوضح عساف أنه يبدو أن هناك قرارا بكسر إرادة الشعب الفلسطيني توطئة لتطبيق صفقة القرن والضم، لكن الشعب الفلسطيني صامد وأن بلدة بيتا لن تنكسر وسيبقى العلم الفلسطيني يرفرف على جبل العرمة.
وتحدث محافظ نابلس إبراهيم رمضان خلال تفقده المصابين بمستشفى رفيديا، "سنبقى على هذا الدرب، نحن الآن بمواجهة غازيين، الاحتلال الذي يعتمد أسلوب القتل والبندقية والقمع، وفيروس كورونا، وكلاهما فيروس قاتل، الكورونا والاحتلال ومستوطنوه".
وأردف رمضان: لكن كلاهما لن يحط من همة الشعب الفلسطيني، ولن يزيدنا إلا غضبا وراء غضب وثورة أمام ثورة ومقاومة وراء مقاومة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها