بقلم: عُلا موقدي

غادرت الطالبة يمامة مزيد "17 عامًا" منزلها في بلدة كفر الديك غرب سلفيت، كالمعتاد، لكن فور عودتها من مدرستها وجدت كارثة قد حلّت في منزل العائلة.

صباح ذلك اليوم، اقتحمت قوة من جيش الاحتلال معززة بالجرافات، المنطقة الغربية من البلدة المسماة "الشعاب"، وحاصرت منزلي الشقيقين معتز، وطارق طلب مزيد، وأجبرتهما على إخلائهما تمهيداً لهدمهما.

هذا الهدم هو الأول في عام 2025 في بلدة كفر الديك، وفي العام الماضي هدم الاحتلال ثلاثة منازل، وسبع غرف زراعية، وأخطر نحو سبعين منزلاً بوقف العمل والبناء.

يأخذ الهدم أبعادًا مألوفة لدى الفلسطينيين في حال كان لديهم علم مسبق بأمره، لكن بالنسبة إلى عائلة "مزيد" لم يخبرها أحد بذلك من قبل، ما شكل صدمة كبرى.

حاصر الاحتلال المنزلين، وأمهل العائلتين عشرة دقائق كي تخرجا منهما، محدداً ما يمكنهما إخراجه معهما بقوله: نقود، مصاغ ذهبي، أوراق رسمية فقط.

ورغم المناشدات المتكررة ومحاولات تأجيل القرار، فإن الاحتلال أصر على تنفيذ قراره، وخلال ساعتين فقط، بات المنزلان أكوامًا من الركام.

فوق هذه الأكوام تتجسد مآسي طالبة الثانوية العامة يمامة معتز مزيد بعد أن رتبت أوراقها وكتبها المدرسية في غرفتها، وحرصت عليها طوال أيام عدة، لكنها عادت من مدرستها لتجدها تحت الركام.

تقول والدتها آيات مزيد: فور اقتحام قوات الاحتلال المنزل، حاولت جاهدة أن ألملم ما أستطيع من كتب ودفاتر، فهو أكثر شيء مهم بالنسبة إلي في هذه اللحظات، كونها لم تعد من مدرستها بعد، فيما تلازمني مجندتان في كل خطوة أخطوها داخل منزلي، وتصورانني وتمنعانني من جمع الأوراق.

عاشت الأم حالة من الصراع الداخلي حول كيفية إنقاذ ما تبقّى من تفاصيل عائلتها، وكيف ستخبر أطفالها الذين ذهبوا إلى مدارسهم صباحًا بأنهم لن يجدوا مكاناً يؤويهم بعد اليوم.

تقول مزيد: بعد مرور عدة أيام على الهدم، ما زال أحد أبنائي يحتفظ بمفتاح غرفته، فهو الشيء الوحيد الذي استطاع أن يجده، وهو ما يُذكّره بتفاصيلها الصغيرة التي عاشها داخلها.

وقالت خبيرة تنمية الموارد البشرية الدكتورة أماني ياسين: إن تأثير تدمير المنازل في أفراد الأسرة، قد يظهر لحظة الحدث نفسه أو على المدى البعيد، فهذه الأحداث التي تفرضها الحروب وسياسات الاحتلال على الأفراد وما يُنتج عنها من تهجير وفقدان الأمان، تُعد من أقسى أشكال العنف على الإنسان.

وأضافت: تؤثر هذه الأحداث بالدرجة الأولى في الأطفال وقد تجعلهم عرضة للاضطرابات النفسية، وذلك بسبب اعتمادهم على الآخرين، لذلك في الحالة الفلسطينية نجد أن الأب والأم بعد فقدانهما منزلهما يحاولان تخفيف وطأة الظروف المعيشية الصعبة التي تقع على أطفالهما.

وأوضحت ياسين أنه خلال فترة الثانوية العامة تصبح غرفة الفرد مكانه المخصص لجمع الأوراق والكتب وما يحتاج إليه خلال دراسته، إذ تعتبر هذه الفترة جسر العبور لمرحلة جديدة في حياته، فإذا فقد الطالب هذه البيئة التعليمية بشكل مفاجئ فهذا من شأنه أن يؤثر في تحصيله العلمي ويزيد ضغوطاته النفسية.

ضاعف الاحتلال وتيرة هدم منازل المواطنين في محافظة سلفيت، حيث نفذ خلال الشهر الماضي، 9 عمليات هدم في دير بلوط وكفر الديك وفرخة، بحسب معطيات صادرة عن محافظة سلفيت.

وفي هذا الإطار، يقول محافظ سلفيت مصطفى طقاطقة: إن "الاحتلال يحاول خلق بيئة طاردة للسكان في المحافظة، عبر سلسلة من الإجراءات والسياسات التي يتبعها، والمتمثلة في زيادة التوسع الاستعماري، والضغط على المزارعين بمنعهم من الوصول إلى أراضيهم، وتسريب المياه العادمة، وهدم المنازل بحجة أنها تقع في مناطق "ج"، التي تبلغ نسبتها ما يقارب 70% من أراضي محافظة سلفيت".

وتابع: يحاول الاحتلال أن يفاقم معاناة المواطنين بهدم منازلهم، ضارباً بعرض الحائط كل الاتفاقيات الدولية والمؤسسات الحقوقية، وفي ظل استمرار الاحتلال في هذه الاعتداءات أصبح علينا جميعًا، وعلى كل الجهات الفاعلة في المؤسسات الفلسطينية أن نضع استراتيجيات أكثر فعالية لتقويض هذه الممارسات ووضع المعيقات أمامها، والتعامل بكل حزم مع ملفات تسريب الأراضي، وتنفيذ الإجراءات على أرض الواقع مع الجهات المختصة.

وبين: سنحاول بكل إمكانياتنا أن نطور المشاريع التنموية والتطويرية للنهوض بواقع محافظة سلفيت على الأصعدة كافة، وأن نعزز صمود المواطن ونجلب مستثمرين لتطوير مصالحهم الاقتصادية،، وذلك خلال الفترة القريبة المقبلة.

وحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، فإن سلطات الاحتلال أصدرت العام الماضي 903 إخطارات بهدم منشآت فلسطينية بحجة عدم الترخيص، تركز توزيعها في محافظات: الخليل بـ180 إخطارًا، وأريحا والأغوار بـ140، ثم بيت لحم بـ126، حيث تخللها إصدار 20 إخطارًا تستهدف برية بيت لحم الشرقية.

كما نفذ الاحتلال خلال عام 2024 ما مجموعه 684 عملية هدم، هُدم خلالها 903 منشآت في الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس، وتضرر جراء ذلك 4332 شخصًا، منهم 2320 طفلاً وطفلة.

وتركزت عمليات الهدم في محافظات: القدس بـ190 عملية هدم، ثم الخليل بـ172، وبيت لحم بـ68.