مع اقتراب وصول ترمب وإدارته الجديدة إلى البيت الأبيض، استطاع وبكل أريحية أن يفرض هالته على أهم بقعة في العالم وهي المنطقة التي طالما كانت مثارًا للقلق المحلي والدولي. التغيرات التي حصلت في المناطق الساخنة، في لبنان وغزة وسوريا والتي اشتعلت على مدار أشهر منذ نهاية عام 2023، بدأت تخبو نارها، ويسير منحنى آخر جديد في منظومتها. فقد انتهت في سوريا الحرب الأهلية التي استمرت لأكثر من عشر سنوات، واستلم النظام الجديد مفتاح سوريا بانتقال سلس ودون أي مقاومة، فبين غمضة عين وفتحها انتهى حكم عائلة الأسد الذي دام لأكثر من خمس عقود ورحل منها. وفي لبنان تم الاتفاق على وقف لإطلاق النار في الجنوب اللبناني، كما وأنه وبعد تعطل انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية لسنوات عدة، منذ عام 2022 عاد اليوم وبكل سلاسة ليتم انتخاب الرئيس جوزاف عون رئيسًا للبنان 2025. واليوم وبعد صراع طويل ومرير في أروقة الحكومة الإسرائيلية، تم فرض اتفاقية الهدنة في غزة، بعد أن كان نتنياهو وأعضاء حكومته يصرون على استمرار الحرب، والإبادة الجماعية، والتطهير العرقي ومشروع التهجير القسري. وعلى الجانب الإيراني أيضًا لم تعد تسمع تلك التهديدات المتبادلة الإيرانية الإسرائيلية أيضًا في الاشتباك وردات الفعل اللامتناهية.
يبدو أن ترمب جاء بهالة جديدة وضعت حدًا للمزايدات والتناقضات والاشتباك اللامتناهي في المناطق الساخنة في الشرق الأوسط. بات واضحًا أن الرئيس ترمب، سيدخل البيت الأبيض وقد أطفئ الحرائق في الشرق الأوسط. التدخل المباشر من إدارة ترمب في المفاوضات الجارية في غزة ولبنان وسوريا وبنواياه المعلنة لإطفاء الحرائق المشتعلة كان له أثرًا إيجابيًا كبيرًا في ذلك.
يستعد الرئيس ترامب مع دخوله البيت الأبيض للعمل في ملفات أخرى مثل الحرب في أوكرانيا، والصين، وكوريا الشمالية إضافة إلى موضوع المهاجرين، والانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة والقضايا الداخلية الأخرى.
هنا لا بد أن نتسال: ما هي الصفقة التي جاء بها ترمب في المناطق المشتعلة؟، والتي أرهقت الديبلوماسية الأميركية، والأمم المتحدة، والدول المحيطة بمناطق الصراع، واستطاع ترمب أن يخمد نارها، أولاً لقد كانت تهديدات ترمب فعلاً جادة لكل أطراف النزاع بما فيها نتنياهو وحكومته، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحماس، وكانت التهديدات ستاخذ مداها فعلاً لمن يقف بوجه صفقة الهدنة وإعادة الرهائن، وقد أفادت التقارير أن نائب الرئيس الأميركي اتصل بأكثر المعارضين في إسرائيل وفي يوم إجازة غير عادي لوقف الحرب واسمعه كلامًا خارج إطار البروتوكول الديبلوماسي. ومن الواضح أن محور المقاومة أيضًا وافق على صفقة ترمب بإنهاء العمل المسلح ضد إسرائيل، مقابل مكانتها السياسية، و صفقة الانتعاش/أو السلام الاقتصادي لكل المناطق التي كانت بؤرة الاشتعال. في حين أن إسرائيل التي منحت الرئيس ترمب هدية الاتفاق الهدنة مع حركة حماس، هي التي تنتظر الجائزة الكبرى من الرئيس الأميركي في إقرار توسيع الحدود القائمة والمعروفة بحدود الرابع من حزيران 1967. أيًّا كانت أسباب وقف إطلاق النار يعتبر الشعب الفلسطيني في غزة هو المستفيد الأول في هذه الصفقة لإنهاء تلك المعاناة الدامية الطويلة الأمد.
من الواضح أن الرئيس ترمب في ولايته الثانية قد استفاد بشكل كبير من تجربته الرئاسية السابقة، والتي تميزت بوصفها بالشعبوية حينًا واطلق عليها فيما بعد بالترامبية. ومن شخصية لا توحي بالتوازن إلى شخصية متزنة تمامًا وصارمة. هناك إنجاز كبير لم يستطع الديمقراطيون أن يحركوا فيه إنشًا واحدًا وظلت الحرائق تزداد اشتعالاً بينما تدخل ترمب المباشر وقبل وصوله إلى البيت الأبيض سجل انجازًا كبيرًا وأفضى الى سياسة الهدوء والسلام التي قد تسوق إليه الحصول على جائزة نوبل للسلام. المنطقة برمتها تجلس اليوم على صفيح ساخن، ووجه شرق أوسط جديد، ورياح التغيير ماضية في طريقها، إذا وجدت مسربًا لها تمر فيه إلى أهدافها.
الشعوب العربية وللأسف تغيب العقل والمنطق وما زالت عفوية، ويغلب على طابعها النخوة والفزعة في حراكها، لن ينجو من القادم إلا من كانت الحكمة والعقل تسند زمامه.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها