منذ وعد بلفور البغيض، وشعبنا الفلسطيني في دروب النضال والمقاومة، ثورات وانتفاضات متتالية، ضد الوعد المشؤوم، وما خلف تاليًا من احتلال، ونكبة، حتى العام الخامس والستين من القرن الماضي، لينتقل شعبنا إلى مرحلة جديدة من الكفاح الوطني، حين فجرت حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" ثورته المسلحة، الثورة التي استعادت الهوية الوطنية، ووضعت فلسطين على خريطة الوجود السياسي، وأشهرتها قضية حق، وحقوق عادلة، ومشروعة.
وطوال هذه السنوات كلها، لم تكن التضحية بالنفس وسواها، في سبيل حرية فلسطين واستقلالها، موضع جدل أو موضع تردد، عند الفلسطيني، وفي أي مستوى كان، لكن ولأن الإنسان أغلى ما نملك، فلا ينبغي وهو في دروب النضال والمقاومة، أن تكون التضحية بالنفس عدمية، وبلا أي ثمن، لسنا انتحاريين، والشهادة في قيمنا، ومفاهيمنا الوطنية، والدينية، تكون دائمًا لأجل غاية نبيلة كبرى، وهي الحرية والعزة والكرامة والسيادة والاستقلال. التضحية بالنفس أمر مشروع لأجل هذه الغاية العزيزة المشروعة، لكن حفظ النفس أساس من الأسس، التي قام عليها التشريع الإسلامي، وحفظ النفس كما يؤكد هذا التشريع، من حفظ الدماء من أن تهدر بغير حق، حين تهدر لغايات حزبية، أو فئوية، أو مناطقية، أو طائفية، أو أي غايات أخرى تمليها أحابيل السياسة ومصالحها غير المشروعة.
حتى الآن ثمة أكثر من خمسين ألف ضحية ارتقوا شهداء في قطاع غزة، سفح دمهم بمنتهى العنف والوحشية، بصواريخ الاحتلال الإسرائيلي، وقذائفه، والكارثة أن هذا الدم مهدد اليوم أن يذهب هدرًا في اتفاق الهدنة، فلا الأقصى تحرر ولا وقف شامل ونهائي للحرب، ولا حتى قطاع غزة سيعود إلى ما كان عليه، بلا وجود لجيش الاحتلال في أي منطقة من مناطقه، ولا سجون الاحتلال ستخلو تمامًا من أسرانا البواسل. وربما ألف أو ألفان منهم سيتنفسون هواء الحرية، جراء اتفاق الهدنة الذي أعلن بالأمس، سيكون لشعبنا لهذا السبب، فرح مشروع، وتهاني حارة، نرفعها وإياهم للأسرى المحررين، وسنفرح لفرح أهلنا في قطاع غزة باتفاق الهدنة، لقد ذاقوا الأمرين، وجراحهم نازفة فلابد من فسحة من وقت لمداواة هذي الجراح لكن الثمن ما زال باهظًا، والحرية تظل منقوصة، والحالة هذه، خاصة في نفوس الأسرى البواسل حين سيعرفون أن أكثر من ثلاثين ألف طفل استشهدوا حتى باتت حريتهم ممكنة.
بلى، لسنا انتحاريين، لسنا ولن يكون أبناء شعبنا الفلسطيني، مشاريع موت عبثي، ولا عدمي، وإذا ما أدركوا الشهادة، فإنما ذلك دفاعًا عن الحياة، وانتصارًا لها، لتكون حياة الحرية والاستقلال، تحت رايات دولتهم السيدة، بعاصمتها القدس الشرقية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها