بعد وقف إطلاق النار، سيكون على حماس أن تحسم أمرها، فإما أن تواصل التماهي مع اليمين المتطرف الإسرائيلي والتقاطع معه، وتستمر في سياسة فصل قطاع غزة عن الضفة، أو أنها تقرر إنهاء الانفصال والانقسام وتنضم إلى الشرعية الوطنية الفلسطينية المعترف بها دوليًا، والمقصود هنا الانضمام لمنظمة التحرير الفلسطينية، استنادًا للمشروع الوطني، مشروع المنظمة، الذي أقره المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر عام 1988.
على حماس أن تطوي صفحة طويلة من تاريخها، والذي تقاطعت فيه مع اليمين المتطرف الإسرائيلي، في رفض حل الدولتين، وعبر اصرارها، على تقديم نفسها بديلاً لمنظمة التحرير وشق الساحة الفلسطينية، وخاصة أن المنظمة ليست فصيلاً إنما جبهة وطنية تتجمع تحت خيمتها كافة وجهات النظر، فلطالما كانت المنظمة تعددية، وأن ما يجمع فصائلها هي قرارات المجلس الوطني الفلسطيني.
انضمام حماس إلى المنظمة ليس بالضرورة أن يمر عبر مراجعة كاملة وتقييم لتجربتها منذ تأسيسها عام 1988، وهي تجربة كلفت الشعب الفلسطيني أثمانًا باهظة.
مغامرة السابع من أكتوبر 2023 لم تكن الوحيدة، بالرغم من أنها الأخطر، فقد ساهمت، وتقاطعت حماس مع اليمين المتطرف الإسرائيلي، في مناهضة أوسلو وإفشاله، وبالتالي تحقق هدف اليمين الإسرائيلي في قبر الاتفاقيات، وهو اليمين ذاته الذي اغتال رابين في سياق مخططه لإفشال عملية السلام.
ومنذ سيطرتها على قطاع غزة بانقلاب عسكري دموي في صيف عام 2007، وما جلبته للقطاع من ويلات خلال الـ 17 عامًا، واصلت حماس تناغمها مع اليمين المتطرف الإسرائيلي، وواصلت فصل القطاع عن الضفة مقابل تلقي المال عبر نتنياهو نفسه، الذي لم يكن له هدف سوى تعميق الانقسام الفلسطيني وتعميق الانفصال لمنع قيام دولة فلسطينية. لقد كان الطرفان حماس واليمين الإسرائيلي يتكئ كل منهما على الآخر في تقاطع بينهما بدأ مع أوسلو وتأسيس السلطة الوطنية، وكان اليمين المتطرف كثيرًا ما يأخذ ردود حماس وسياساتها في رسم مخططاته. كما راهن هذا اليمين كثيرًا على موقف حماس المعادي لعملية السلام، وراهن أكثر على عدائها لفتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، في إفشال أي تقدم باتجاه حل الدولتين.
على حماس اليوم أن تنفض عن نفسها كل هذا التاريخ، وتعيد تقييم تجربتها وتنسجم مع المصالح الوطنية الحقيقية، وتنهي مراهاناتها على المحاور والأحلاف الإقليمية، وربط القضية الفلسطينية بأجندات خارحية، وهي أمور لم تجلب للشعب الفلسطيني سوى الويلات. الخطوة الأخرى المطلوبة من حماس القيام بها هي عملية نقد ذاتي، وأن تتحدث هي عن أخطائها، ويمكن أن يكون هذا ضمن مصارحة وطنية شاملة، وتقييم شامل للتجربة الفلسطينية برمتها بهدف الدخول في مرحلة جديدة، مرحلة نضع خلالها صيغ أكثر عملية لما تعنيه الوحدة الوطنية، والكيفية والطريقة لتحقيقها.
العديد من النصائح وجهت لحماس بألا تقدم المبررات للجانب الإسرائيلي، ولكن لم تقم حماس بأي إشارة إنها حريصة بألا تعرض الضفة الفلسطينية المحتلة لما تعرض له القطاع من نكبة مأساوية على كل المستويات.
هناك طريق مختصر لبقاء حماس في المشهد، وهي طريق الشرعية الوطنية الفلسطينية، أن تنهي مراهاناتها الخارجية وتقاطعها مع اليمين المتطرف الإسرائيل.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها