القصف الإسرائيلي المتعمد لمجموعة من المواطنين الفلسطينيين في مخيم البطولة جنين أول أمس بالقرب من دوار العودة وأمس الأربعاء على حارة الدمج، التي ارتقى إثرها يوم الثلاثاء 6 شهداء وعدد من المصابين جلهم من أسرة واحدة كانوا يجلسون أمام منزلهم بينهم فتى عمره خمسة عشر عامًا بسبب انقطاع التيار الكهربائي، لا علاقة لهم بأي نشاط مسلح، لم يأتِّ بالصدفة، ولا ردة فعل على فعل وطني ضد الجيش الإسرائيلي أو مستعمراته المحيطة بمحافظة جنين، وإنما استهداف واضح لإشعال فتيل الفوضى والاقتتال الداخلي، بعد أن نجحت مبادرة الوسطاء في الوصول إلى صيغة تعزز السلم الأهلي، وسيادة النظام والقانون في المخيم والمحافظة عمومًا، وإعادة الحياة إلى طبيعتها، وتحقن الدم الفلسطيني المقدس، وتعمد الشراكة الوطنية بين أبناء الشعب الواحد، والمصير المشترك، والهدف السياسي الوطني الجامع للكل الفلسطيني تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية والدولة والحكومة.

وفي ادعاء إسرائيلي كاذب، ادعت "القناة 14"، أن الهدف من قصف المسيرة الإسرائيلية وجود مسؤول كبير من الفصائل المسلحة في المدينة بينهم، وفي تباين فاضح للرواية الإسرائيلية، أشارت وسائل إعلام عديدة، أن المستهدف في القصف هم منفذو عملية الفندق التي أسفرت عن مقتل ثلاثة إسرائيليين، وإصابة ثمانية آخرين الأسبوع الماضي في 6 كانون الثاني/يناير الحالي في قرية الفندق بمحافظة قلقيلية، الأمر الذي يكشف عدم مصداقية الرواية الإسرائيلية، ويفضح الهدف الخبيث من العملية، وهو إصرار حكومة الإبادة الإسرائيلية وأجهزتها الأمنية على دس الأسافين بين أبناء الشعب، ولإدامة الاقتتال داخل صفوفه، ولإراقة المزيد من الدم باليد الفلسطينية، الذي يعتبر خطًا أحمر عند القيادة الفلسطينية، ومكونات الشعب السياسية الوطنية، ولخلط الأوراق في المشهد الفلسطيني.

لذا لم يكن وليد الصدفة عودة قيادة الجيش والأجهزة الأمنية بعد شهر ونصف لعمليات القصف على أحد معالم الصمود الوطني، مخيم الشجاعة والفداء والتضحية، مخيم جنين البطل، حيث شهد خلالها عملية "حماية وطن" لتعزيز مكانة النظام والقانون في المخيم وصيانة السلم الأهلي، ونزع فتيل الفتنة الناجم عن انتهاكات مجموعات عبثية وخارجة على القانون. لأنها وفق مخططات قيادات المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية المرسومة والمعدة في أدراجها، تعمل على استنزاف الشعب الفلسطيني بالتوازي مع الإبادة الجماعية في قطاع غزة، التي اقتربت من التوقف المؤقت بعد 468 يومًا، وتمهيد الأرض في الضفة الفلسطينية لإبادة جماعية جديدة وفق الواقع الفلسطيني في محافظات الشمال، وبخطوط متوازية وعلى أكثر من جبهة، أولاً جبهة تصعيد الاستيطان الاستعماري بمختلف مسمياته وأنواعه في المحافظات الفلسطينية الشمالية وخاصة في القدس العاصمة الأبدية والمناطق المصنفة A وB، التي أخذت قطعان وعصابات المستوطنين تستبيحها؛ ثانيًا تقطيع أوصال المدن والقرى والمخيمات، ومحاصرتها في معازل عن بعضها البعض لتضييق الخناق الاقتصادي والاجتماعي والأمني عليها؛ ثالثًا الاجتياحات والاقتحامات المتلازمة مع عمليات القصف والتدمير ومضاعفة عمليات القتل والاعتقال في أوساط المواطنين بذرائع وبدون ذرائع، وإطلاق يد قطعان المستعمرين للعبث بحياة المدن والقرى الفلسطينية المجاورة للمستعمرات الإسرائيلية؛ رابعًا تبهيت وتهشيم صورة ومكانة السلطة الوطنية الفلسطينية، والعمل على تجفيف مواردها والقرصنة على أموال المقاصة بالاقتطاعات المتوالدة كالفطر كل شهر، وصولاً لتصفيتها في مرحلة لاحقة؛ خامسًا مواصلة الاقتحامات للمسجد الأقصى المبارك والحوض المقدس بشكل مكثف لتكريس التقسيم الزماني والمكاني فيه، وكمقدمة لتدميره لاحقًا؛ سادسًا فرض القانون الإسرائيلي على الضفة الفلسطينية وفق مخطط سموتريتش، الهادف لإلغاء ما يسمى الإدارة المدنية، واسقاط صفة الاستعمار عنها؛ سابعًا كل ما تقدم يشكل مقدمة لتوسيع وتعميق جرائم حرب الإبادة من خلال اجتياحات مشتركة موسعة وكبيرة من الجيش وقطعان المستوطنين، وفتح جبهات قتل وتدمير وتخريب في المدن والقرى والمخيمات لفرض مزيدٍ من الأمر الواقع، وفرض التهجير القسري والتطهير العرقي، وغيرها من اشكال الإبادة في الضفة.

ولمواجهة هذا التحدي الإسرائيلي الخطير مطلوب من الكل الوطني، تعزيز وحدة الصف الفلسطيني، والتكاتف المشترك لحماية النظام والقانون ومكانة السلطة والحكومة والأجهزة الأمنية باعتبارها صاحبة الولاية على الشعب والأرض، وحماية السلم الأهلي، وعدم السقوط في مستنقع ومخطط العدو الإسرائيلي الإجرامي، وحماية الدم الفلسطيني، الذي يعتبر خطًا أحمر من الإراقة باليد الفلسطينية، وتعزيز المقاومة الشعبية في أرجاء الوطن وفق خطة عمل وطنية واحدة، وعلى أساس برنامج الاجماع الوطني.