ربما تتوقف الحرب، وربما يتوصل الطرفان إلى اتفاق في قادم الأيام، وربما تفضي المباحثات الجارية إلى نتائج يتفق عليها الطرفان، ولكن من يعيد خارطة الأمكنة لما كانت عليه؛ الشوارع والأحياء والتجمعات؛ ومن يعيد البيوت التي تهدمت؛ ويعيد بناء كل ما خلفته حرب الإبادة؛ وكيف سيكون حال غزة في اليوم التالي لهذه الإبادة؟ ومن يعيد الشهداء من الأبناء إلى أمهاتهم والأزواج لزوجاتهم، ومن يطبب الجراح ويصل المبتورة أعضاؤهم وأحلامهم، ومن أثقلتهم هذه الأيام بالجراح والنزيف الذاتي؛ وكيف سيكون وقت غزة في اليوم التالي لهذه الإبادة؟ مثل مدينة ثكلى أثخنتها الجراح لكنها تحيا، فالمدن لا تموت. أو مثل مدينة حرقتها نيران الحرب والقنابل، وحولتها إلى جحيم، لكنها تجرب النجاة، فالمدن لا تفنى.
هو حال غزة اليوم بعد أن مضت على حرب الإبادة 466 يومًا، لم يسلم فيها شيء من شجر وحجر وبشر، وقد تحولت إلى أرض محروقة غير قابلة للحياة، وفاقدة لأهلية العيش الآدمي، فهل الهدنة أو الصفقة القادمة قادرة على إنقاذ عزة من جحيم ما تعيشه؟ الناس بلا سكن ولا مأوى لهم غير العراء، وهم يعيشون في خيام لا تقي من البرد والمطر، وبلا دواء أو علاج بعد تدمير مستشفيات القطاع، وخروج الكثير منها عن الخدمة بشكل كامل، والنقص الكبير في الغذاء، وخراب البنية التحتية وسيول المياه العادمة، وآلاف الأطنان من القمامة والمخلفات الأخرى التي تنشر الأمراض، وتفتك بالبشر.
هو حال غزة اليوم، بعد أن سقطت عليها آلاف الأطنان من المتفجرات والبارود، وبعد أن قضمت الحرب كل أسباب الحياة فيها، فدمرت الجامعات والمدارس والمعاهد، ودمرت المستشفيات الرئيسية والمراكز الصحية والطبية، وأبيدت عائلات بالكامل وتم شطبها من السجلات، وغابت ملامح وجغرافيا الأحياء السكنية في المدن والمخيمات، واندثرت تحت ركام القصف الأماكن التراثية ودور العبادة، وهي اليوم بلا وزارات ولا مؤسسات ولا هيئات، وبلا مصانع وشركات، ومن دون خطوط مياه وكهرباء، وهي بهذا الواقع البائس وما خلفته حرب الإبادة عليها حتى اليوم.
صحيح أن وقف حرب الإبادة هو الأهم، وهو ما يحتاجه الناس في غزة، وهو ما يتطلعون إليه كل الوقت، ولكن بذات القدر فإنهم يحتاجون إلى الكثير في اليوم التالي، وسط ما يعيشونه من خراب ودمار، الأمر الذي يوجب تنسيقًا دوليًا وإقليميًا وعربيًا، كما يستدعي دورًا فلسطينيًا فاعلاً في إنهاء الانقسام والوحدة الوطنية، على أرضية واضحة ومعلنة وغير قابلة للتأويل والمماطلة، مرجعيتها الوحيدة هي منظمة التحرير الفلسطينية، وما دون ذلك سنبقى ندور في فلك الانقسام الذي لن يعود بالنفع على أحد، بل يضر بمستقبل القضية الفلسطينية والتي تعصف بها جملة من التحديات والتهديدات.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها