بقلم: عبد الباسط خلف

لم يكن حسام حسن قنوح يعلم أنه سيلتحق بعمه الشهيد عيسى الذي ارتقى عام 1982، وبخاله حسام، شهيد نهاية انتفاضة الحجارة، وبخاله الثاني وليد شهيد عام 2008.

وأعاد قصف الاحتلال مساء أمس الأول الثلاثاء لشبان كانوا يطلبون الدفء ويتناولون حلوى (ليالي لبنان) في شارع السكة بمخيم جنين، أوجاع العائلة على مصراعيها، برفقة 3 عائلات فقدت إحداها ثلاثة أشقاء دفعة واحدة.

واستعاد فتحي اللحظات الأخيرة التي جمعته بشقيقه الوحيد حسام، وسرد بقلب حزين أن تلقى اتصالاً منه يحمل تأكيد موعد استحقاق شيك ورشة بناء بيتهما المشترك في اليوم التالي، وأنه سيترك له 1000 شيقل لتأمينه.

- عيون وساعد

وأشار إلى أنه أخفى حقيقة ما حدث عن والدته، واكتفى بإشعارها عبر اتصال هاتفي بضرورة حضورها على عجل إلى المستشفى، لكن قلبها وإحساسها دفعها لتوقع المصاب الثقيل.

وأضاف: أن الأسرة فجعت بارتقاء ابنها، الذي كان الساعد الأيمن لوالده الكفيف، وحرص على مساعدته ومرافقته في تنقلاته إلى المسجد وزياراته كلها، فقد كان نور عينه وابنه المدلل، مثلما كان يشبهه ببنيته القوية ووزنه الزائد.

وتابع الأخ الوحيد بصوت منهك أن مكانة حسام عند والده، أهلته للعب دور الوسيط للعائلة في أي طلب تحتاجه.

وأشار إلى أن والده فقد بصره عقب وقت قصير من ولادة حسام، وأنه اليوم تحسس ابنه الشهيد خلال التشييع بيديه، وعجز عن إلقاء نظرة وداع عليه.

- عيسى الأسطورة

أبصر حسام النور في 12 أيلول 1992، وحمل اسم خاله الشهيد حسام أنيس عبيدي، الذي استشهد خلال مواجهات مساء 25 شباط 1991 في بلدة برقين الملاصقة للمدينة.

وتابع الشقيق المكلوم: استشهد عمي فتحي في 24 آذار 1982، فقد كان رياضيًا وصاحب بنية قوية ولاعب ملاكمة وعمل حدادًا، وهاجم بجوار مبنى البريد وسط جنين دورية لجيش الاحتلال بسكين، وتعارك مع الجنود وقتل اثنين منهما وأصاب آخرين بجروح خطيرة، كما كسر سلاحًا ناريًا وألقاه في الشارع، وأثناء العملية أطلقت دورية أخرى النار عليه، ودفنه الاحتلال في مقبرة مشروع بيت قاد.

واستذكر استشهاد خاله المطارد وليد، خلال اشتباك مسلح في قباطية، في 16 كانون الثاني 2008.

ووفق فتحي الذي ورث اسم عمه، فإن وجوه الشبه كثيرة بين أخيه وعمه، فكلاهما كان رياضيًا، وحرصا على ممارسة ألعاب الحديد وبناء الأجسام، فيما كان حسام لاعب خط وسط في نادي الأشبال لكرة القدم، وكان أحد أفراد فرقة الدبكة، وحرص على التطوع في أزقة المخيم، ثم انتقل لدراسة الخدمة الاجتماعية والتربية الابتدائية في جامعة القدس المفتوحة، لكنه توقف وانتقل إلى ضمان مقصف المحكمة المدنية.

- حلم ممنوع

وتابع: تمتع حسام بشخصية مرحة، ودخل قلب كل من عرفه، وتميز بعلاقة متينة وطيبة مع المحامين ومراجعي المحكمة، وتزوج في تشرين الثاني 2017، وحلم ببناء بيت في حي الجابريات، وبدأنا بالفعل بوضع أساسات المنزل، لكن لم يكتب له القدر دخول مسكنه الجديد.

ترك قنوح الحسرة في قلوب والده الضرير، وأمه نجية المكلومة بشقيقيها الشهيدين، وعائلة صغيرة من أخ واحد وثلاث بنات، ورفيقة دربه مُنية، وثلاثة أطفال: بكره أيلول (ذات الربيع السادس)، ومتين (4 سنوات)، وغيث (عام ونصف العام)، بينما فقد في رمضان الماضي صديقه المقرب وصهره أحمد بركات، في قصف لمركبة عند مدخل المخيم.

تنحدر عائلة قنوح من قرية السنديانة المدمرة قضاء حيفا، ومزقت النكبة الإخوة الثلاثة: عيسى، وموسى، ومحمد، حيث أقام الأول في مخيم جنين، ونزح الثاني إلى الأردن، ولجأ الثالث إلى سوريا.

ولخص فتحي، وهو معلم رياضيات، اللحظات القاسية التي ألمت بالمخيم وقطعت بالقنابل جلسة السمر والدفء لشقيقه وجيرانه، إذ استشهد الفتى محمود أشرف مصطفى إغبارية (15 عامًا)، بينما جرح والده، وقضى الأشقاء مؤمن، وبهاء، وأمير إبراهيم محمود أبو الهيجاء، كما ارتقى الشاب إبراهيم مصطفى قنيري.

كان أمير يعمل ممرضًا في مركز يعبد الطبي، ولازم مؤمن وبهاء الهندسة، وحرص إبراهيم على ملاحقة رزقه ببيع الخضراوات، فيما جاء محمود ليكون الوحيد بعد خمس بنات، ونفذ والده نذر اصطحابه إلى العمرة العام الماضي.

وأنهى قنوح: تمنينا لو أن بصر أبي عاد اليوم للحظات؛ ليودع حسام المُدلل وأمين أسراره، لكنه القدر.