تقرير: إيهاب الريماوي
"فجأة انهارت أحلامي، أصبحت أخجل الخروج من المنزل، تقوقعت في غرفتي، أصرخ وأصرخ، وأبكي، لقد انهار كل شيء، وأصبحت أشعر بأن حياتي لم يعد لها قيمة".
قاسم شريتح 27 عاماً من قرية المزرعة الغربية شمال غرب رام الله، ترك مقاعد الدراسة عند انهاءه الصف العاشر رغم معدلاته الجيدة في المدرسة، بسبب الوضع المادي الصعب لعائلته، حيث إنه الابن الأكبر في العائلة، ووالده الذي يمتهن صنعة تكحيل الحجر كان بحاجة لمن يسانده ويعاونه.
انضم قاسم إلى ركب هذه المهنة الشاقة والخطرة، ومع مرور سنوات قليلة أصبح محترفاً في صنعته، واستقل عن والده، وكان يستلم عدة ورشات لوحده، حيث تحسن وضعه المادي، وبنى منزلاً له، وكان يستعد للزواج والاستقرار، حيث كان يسير كل شيء حسب ما خطط له.
ظهر الحادي عشر من شهر كانون ثاني/ يناير 2011، هوى قاسم عن الطابق الثالث بينما كان يعمل في تكحيل بناية في بلدة بير نبالا شمال غرب القدس المحتلة، وقع على سور في الأسفل، وأصيب بكسور حادة في العامود الفقري.
نقل قاسم إلى مجمع فلسطين الطبي، ومن هناك حول إلى المستشفى الأهلي في الخليل، وأجريت له عملية جراحية بعد ثلاثة أيام من مكوثه في المستشفى، ولما فاق من المخدر أخبره الطبيب المشرف على حالته بأنه أصيب بشلل نصفي.
وقال قاسم: "عندما علمت أنني لن أتمكن من السير مجدداً، بدأت أصرخ، لم أرد أن أصدق ذلك، فأنا الذي كنت أعلق نفسي على أعلى الطوابق، وأسرح وأمرح، أصبحت عاجزاً، هنا انهار كل شيء، دخلت في حالة نفسية صعبة جداً".
انتقل قاسم إلى العلاج في مركز خليل أبو ريا للتأهيل، وبقي يتلقى العلاج الطبيعي والوظيفي لمدة سنتين، على أمل أن تتحسن حالته، لكن الحالة استقرت على شلل نصفي مكتمل، لكنه صار مؤهلاً للتعامل مع الكرسي المتحرك.
يقول: "عدت إلى المنزل بعد علاج استمر عامين في مركز أبو ريا، أصبت بخيبة أمل كبيرة، كنت أتمنى أن تتحسن حالتي وأعود للمشي على قدمي، لكن لم يتحقق ذلك، ومن يومها أصبح الكرسي المتحرك ملازما لي ورفيقاً لي".
رفض قاسم أن يستسلم، وقرر أن ينهض من جديد، إن لم يكن على قدميه، فليكن بإرادته وبنفسيته وبعقله وبعاطفته، وفعلاً نجح في ذلك، حيث التحق في نادي المجد الرياضي لذوي الإعاقة وأصبح لاعباً في كرة السلة، وشارك في بطولات بمدينتي بيت لحم ونابلس، وكانت له فرصة المشاركة في بطولة بدبي لكن الاحتلال الإسرائيلي رفض منحه تصريحا للخروج لأنه كان أسيرا في الفترة من عام 2007 حتى 2010.
"منذ عام 2014 التحقت بالاتحاد الفلسطيني لذوي الإعاقة كمتطوع، حيث تعلمت القوانين الخاصة بذوي الإعاقة، وتعرفت على أشخاص كثر، وأخذت عبرة منهم أن الشخص عليه أن يستمر ويعيش كما يطمح، وأن يسعى لتحقيق أحلامه مهما كانت ظروفه"، يقول قاسم.
كانت مشكلة المواصلات بالنسبة لقاسم إحدى أبرز التحديات التي واجهته منذ إصابته، حيث إن المركبات العمومية لا تتوفر فيها الوسائل الملائمة لذوي الإعاقة، وكان يضطر في كثير من الأحيان أن يقضي مشاوريه بواسطة سيارات التاكسي، لكن ذلك كان مكلفا جداً.
وأوضح: "كنت أشعر بالخجل والنقص عندما يساعدني أحد في الصعود إلى المركبة العمومية، لذلك قررت منذ ثلاث سنوات أن اتغلب على هذه المشكلة، حيث وضعت خطة لأن أتمكن من ركوب المركبة لوحدي وأنزل منها كذلك، حيث أقوم بمسك باب المركبة الأمامي ومن ثم أدفع جسمي بقوة نحو المقعد".
ويرى قاسم أن مرافق المدن من أكبر العوائق التي تواجهه ومستخدمي الكراسي المتحركة، حيث لا يمكنه الدخول إلى العمارات ولا المطاعم، لأن معظمها لا تتوفر فيه المصاعد الملائمة لذوي الإعاقة.
وتابع: "رغم وجود قوانين تحتم الاهتمام بذوي الإعاقة، وتوفير كل وسائل المساعدة لهم، لكن ذلك غير متوفر في أغلب مرافقنا، هذا إلى جانب معاناة ذوي الإعاقة من صعوبات كبيرة في الحصول على عمل".
حصل قاسم قبل ثلاث سنوات على شهادة دبلوم في السكرتاريا، وتقدم لعدد من الوظائف لكن الحظ لم يحالفه، وذات مرة كان ذاهباً للتقدم لإحدى الوظائف في شركة خاصة، لكنه صدم حينما سمع المدير يقول: "مش ناقصنا معاقين".
وختم: "كل ما يحصل معي من مواقف لا يحبطني بل على العكس يزيد من قوتي وإرادتي، فبعد 9 سنوات من الإصابة والتأقلم معها، أصبحت لدي قناعة راسخة بأن اليأس لا يولد شيئاً، بل يدمر النفسية ويحطم كل الأحلام، والآن أطمح للحصول على وظيفة، وأن أتزوج، فكل الحواجز والمعيقات التي وقعت في طريقي تجاوزتها".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها