"نؤكد من جديد، ونحن نحتفل بهذا اليوم الدولي للتضامن، التزامنا بالتمسك بحقوق الشعب الفلسطيني. فالأمم المتحدة لن تتزحزح في التزامها تجاه الشعب الفلسطيني"، هذا نص من رسالة الأمين العام أنطونيو غوتيريش بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي يصادف الـ29 تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام.

قبل 42 عامًا، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوماً عالمياً للتضامن مع شعبنا، بالتزامن مع اليوم الذي اتخذت فيه قراراها رقم (181) المعروف بـ "قرار التقسيم" عام 1947، وذلك في محاولة منها لتصحيح الظلم المفروض على شعبنا بسبب إنكار حقه.

ورغم أن غالبية دول العالم تدعم في مواقفها ممارسة شعبنا لحقوقه غير القابلة للتصرف، وتقرير المصير، والاستقلال، وعودة اللاجئين، كما كفلتها القرارات والمعايير الدولية، إلا أن هذه المواقف لم تترجم حتى الآن إلى أفعال على الأرض، تسهم في إنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

ويجد شعبنا نفسه وحيداً في مواجهة إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، التي تمارس شتى أشكال الجرائم، من انتهاك مبدأ "حق تقرير المصير للشعوب" ومنعه بالقوة من ممارسة هذا الحق وإنجاز استقلاله الوطني، والتوسع الإقليمي المنظم والمخطط، في انتهاك لمبدأ عدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالحرب أو بالقوة، ومنع اللاجئين من العودة لديارهم وممتلكاتهم، والاستيلاء على أراضيهم، والتمييز المنظم ضد الفلسطينيين العرب من مواطني إسرائيل، وإقرار قانون القومية الذي ينص من بين أمور أخرى على حق تقرير المصير لليهود فقط، والاستعمار الاستيطاني بما في ذلك القدس، والاستيلاء على المصادر الطبيعية خاصة المياه لمصلحة المستعمرات أو لمصلحة قوة الاحتلال، وبناء جدار داخل الأرض الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس الشرقية، والقتل المتعمد والإعدامات خارج إطار القانون والاغتيالات وارتكاب المجازر، والقمع المنظم والدائم للمدنيين الفلسطينيين، والإضرار بمصالحهم الوطنية، ومنع وعرقلة التطور الاقتصادي الفلسطيني، وتصنيع وحيازة أسلحة نووية وأسلحة دمار شامل أخرى "كيماوية" في انتهاك لمبدأ منع انتشار أسلحة الدمار الشامل ومنع انتشار السلاح النووي.

ومنذ عام 1947، صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة 705 قرارات، كما صدر86 قرارا عن مجلس الأمن، ولكن إسرائيل لم تنفذ أي منها، مدعومة من الولايات المتحدة الأميركية.

ولم تكتف الولايات المتحدة بدعمها للتمرد الإسرائيلي على القرارات الأممية، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك بعد وصول الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض عام 2016، والذي قدم لدولة الاحتلال جملة من القرارات التي تمس بالقضية الفلسطينية، وتضعف فرص إنهاء الاحتلال وفقاً لحل الدولتين، الذي يحظى بإجماع دولي.

وخرج "ترمب" بترهة جديدة من ترهاته التي سماها "صفقة القرن" لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، والتي لم تعلن الإدارة الأميركية بنودها بعد، إلا أن معالمها بدأت على الأرض، ابتداءً من إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وإعلان القدس عاصمة لدولة الاحتلال ونقل سفارة بلاده إليها، ووقف مخصصات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، ووقف المساعدات الأميركية للفلسطينيين، وآخرها إعلان وزير خارجيته مايك بومبيو أن واشنطن لم تعد تعتبر أن المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية "مخالفة للقانون الدولي".

ووقفت القيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس محمود عباس، في وجه القرارات الأميركية المجحفة بحق شعبنا وقضيته العادلة، والمنافية لكافة القرارات الأممية والشرائع الإنسانية. وصرخ الرئيس عباس بـ"لا" للإملاءات الأميركية، ولما تسمى بـ "صفقة القرن"، ولوساطة الولايات المتحدة وحدها في "عملية السلام".

وطالب الرئيس عباس، مراراً وتكراراً، بعقد مؤتمر دولي للسلام وإنشاء آلية متعددة الأطراف للمضي قدما فيه، يكون للاتحاد الأوروبي وأعضاء مجلس الأمن دور هام فيها، وصولا لنيل شعبنا حريته واستقلاله في دولته بعاصمتها القدس الشرقية.

لكن، حتى الآن، لم تستطع دول العالم، الانتقال من مربع "الرفض والإدانة والاستنكار" لانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي وقرارات الإدارة الأميركية، إلى مربع التضامن الفعلي مع شعبنا بإجراءات ضاغطة على إسرائيل لإنهاء احتلال، من خلال الاعتراف بدولة فلسطين، وتوسيع رقعة مقاطعة الاحتلال ومؤسساته واقتصاده، ومحاكمة قادته على جرائم الحرب التي ارتكبوها بحق شعبنا، ولجم التوسع الاستيطاني الذي يقضم الأرض الفلسطينية المحتلة، ووقف سياسات الفصل العنصري.

العالم اليوم مطالب أكثر من أي وقت مضى، للانحياز إلى الحق والعدالة، من أجل إنهاء أطول احتلال عرفته البشرية، وإحلال السلام في المنطقة.

يذكر أن اليوم العالمي للتضامن مع شعبنا، يشهد إقامة فعاليات ثقافية ومهرجانات سياسية وجماهيرية تضامنية، من قبل حركات تضامن ولجان سياسية، إضافة إلى سفارات فلسطين، والمؤمنين بعدالة القضية الفلسطينية.

واستجابة لدعوة موجهة من الأمم المتحدة، تقوم الحكومات والمجتمعات المدنية سنويا بأنشطة شتى تشمل إصدار رسائل خاصة تضامناً مع شعبنا، وعقد الاجتماعات، وتوزيع المطبوعات وغيرها من المواد الإعلامية، وعرض الأفلام.

وفي مقر الأمم المتحدة بنيويورك، عقدت اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، يوم الأربعاء الماضي، الجلسة الخاصة السنوية.

كما افتتحت بعثة فلسطين في ردهة الزوار من مقر الأمانة العامة للأمم المتحدة، معرض "فلسطين-أكثر قضية وطنية ذات بُعد عالمي" الذي يشتمل على صور وأقوال من شخصيات عامة شهيرة، ويهدف إلى تأصيل التضامن مع شعبنا. وسيبقى المعرض مفتوحا حتى 6 كانون الثاني 2020.

وقال رئيس بعثة دولة فلسطين لدى الأمم المتحدة السفير رياض منصور، إن إحياء يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني هذا العام يأتي تكريما لكل الشخصيات التي وقفت إلى جانب القضية الفلسطينية طوال عقود مضت.

وأضاف: "بعد عام 1947 لم تمنح الأمم المتحدة فلسطين الاستقلال، لذا تقرر تقسيم فلسطين إلى دولتين، وعند اتخاذ هذا القرار ارتأينا أن على الأمم المتحدة أن تبقى منخرطة في القضية الفلسطينية إلى أن يتم حلها من جميع الجوانب، وهذا هو سبب إنشاء لجنة فلسطين؛ لمتابعة تنفيذ القرارات المتعلقة بحقوق شعبنا".

وأشار إلى أن الجمعية العامة أعلنت يوم 29 تشرين الثاني كيوم للتضامن مع الشعب الفلسطيني لتصحيح الظلم المفروض على شعبنا بسبب إنكار حقه في الاستقلال.

وشدد على أن العالم الذي تمثله الأمم المتحدة يقف إلى جانب إنصاف شعبنا، وهذا يعني ممارسته لحقوقه غير القابلة للتصرف وتقرير المصير والاستقلال وعودة اللاجئين كما كفلتها القرارات والمعايير الدولية، مضيفا أن "العالم يذكرنا كل عام أننا نعمل معكم لتحقيق هذه الأهداف.

بدوره، أكد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في رسالة له لمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع شعبنا، أهمية التوقف عن تكثيف المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية وهدم المنازل الفلسطينية واستشراء المعاناة في غزة، "فإنشاء المستوطنات في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، ليس له أي شرعية قانونية وهو يشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي، على نحو ما ورد في قرار مجلس الأمن 2334".

وأضاف أن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي لا يزال يشكل واحدا من أكثر التحديات استعصاء على الحل التي تواجه المجتمع الدولي، داعيا إلى اتخاذ الخطوات التي من شأنها أن تعيد الثقة في الحل القائم على وجود الدولتين.

وقال "إن التوصل إلى حل عادل ودائم تكون فيه القدس عاصمة للدولتين كلتيهما لن يتحقق إلا عبر مفاوضات بنّاءة يجريها الطرفان بحسن نية، ويقدم لها المجتمع الدولي الدعم، ويتم فيها التقيد بالقرارات الراسخة الصادرة عن الأمم المتحدة والثوابت المتفق عليها منذ أمد بعيد."