منذ نحو ثلاثة أسابيع، تواصل طواقم أميركية، ترتدي ملابس أشبه بـ"قوات المارينز"، العمل على إنشاء "مستشفى ميداني أميركي" على أراض متاخمة لمعبر بيت حانون "إيرز" الخاضع لسيطرة الاحتلال شمال قطاع غزة، وسط تساؤلات حول الهدف من وراء هذه المنشأة.
ووصلت معدات وأجهزة خاصة بالمستشفى خلال الأسابيع الماضية عبر معبر "كرم أبو سالم" جنوب شرق القطاع.
ويأتي هذا المشروع ضمن تفاهمات حركة "حماس" مع الاحتلال الإسرائيلي، وبمباركة أميركية. فبينما تقطع الولايات المتحدة الأميركية مساعداتها عن القطاع الصحي الفلسطيني بشكل عام، وعن مستشفيات القدس المحتلة بشكل خاص، فإنها تدعم هذا المشروع وتطرح نفسها كـ"راعية الإنسانية في العالم" من خلاله، ما يزيد الشبهات حوله.
ويشرف على المستشفى مؤسسة Friend Ships الأميركية، التي يديرها الأميركي الصهيوني "دون تيبتون" وزوجته ساندرا، والمعروف بصداقته الشخصية مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وتأييده لإسرائيل وعدائيته للعرب.
وكان تيبتون قد أنشأ في السنوات الأخيرة مستشفى ميدانياً على الحدود السورية داخل قاعدة عسكرية إسرائيلية، كما يساعده في إدارة المؤسسة مستشار نتنياهو السابق "ران إيخاي".
وأظهرت مقاطع فيديو وصور، الطواقم الأميركية تعمل على إنشاء خيم عسكرية في مكان المستشفى، في حين ظهرت صور لهذه الطواقم وهي تشارك في فعاليات بمستوطنة "سديروت".
ولاقى إنشاء المستشفى رفضا شعبيا وفصائليا واسعا، خاصة أنه يجري دون تنسيق مع الفصائل الفلسطينية، ووزارة الصحة الفلسطينية أو أية جهة حكومية فلسطينية رسمية، بالإضافة إلى الشبهات الأمنية المرتبطة بموقعه بالقرب مما يسمى "السياج الأمني" الخاضع لسيطرة الاحتلال.
وادعى المتحدث باسم حركة "حماس" حازم قاسم، أن إنشاء المستشفى الميداني الجديد في شمال القطاع، جزء من التفاهمات الأخيرة بين الفصائل الفلسطينية، والاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي نفته الفصائل جملةً وتفصيلاً.
الجبهة الشعبية: هذا المستشفى شبهة أمنية
وقالت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على لسان عضو مكتبها السياسي غازي الصوراني، إن الجبهة ترى في هذا المستشفى شبهة أمنية، وإن جاء بلباس إنساني زائف وموهوم.
وأشارت الجبهة إلى أنها تخشى أن يتحول هذا المستشفى المزعوم لمركز متقدم للمخابرات الصهيونية الأميركية.
وجددت الجبهة موقفها الثابت أنها "لم ولن تكون يومًا جزءًا من أية تفاهمات مع الاحتلال"، مشيرةً إلى أن "صور ومقاطع فيديو لأعمال إنشاء المستشفى التي تتم قرب حاجز بيت حانون شمال قطاع غزة تثير شكوكا وعلامات استفهام كبيرة".
حزب الشعب يجدد رفضه "لتفاهمات" إقامة المستشفى
كما جدد حزب الشعب الفلسطيني رفضه الكامل لـ"التفاهمات" المزعومة حول إنشاء المستشفى الأميركي في شمال غزة، معتبرا أن إنشاء المستشفى استكمال لمخرجات ورشة المنامة التي تعطي الأولوية للحل الاقتصادي على حساب الحل السياسي لقضايا شعبنا الوطنية.
وأشار الحزب في بيان صحفي، صدر عنه، اليوم الجمعة، الى أنه سبق وأن عبّر في حينه عن رفضه لأي تفاهمات تتجاوز الحل السياسي، معتبراً مقايضة الحلول السياسية ببعض الفتات تحت مسمى "تفاهمات"، لن يجلب الاستقرار ولن يحل الضائقة الاقتصادية التي يعاني منها شعبنا الفلسطيني.
وشدد الحزب، في بيانه، على أنه بالرغم من حاجة قطاع غزة لكل شيء، إلا أن أقصر الطرق لتلبية ذلك هو طريق الوحدة الوطنية عبر إنهاء الانقسام بعيداً عن الخضوع للابتزاز تجاه معاناة شعبنا من خلال بعض الأموال التي تقدم من هنا وهناك.
فصائل الائتلاف الوطني الديمقراطي: لم نكن جزءاً من أية تفاهمات تتعلق بالمستشفى
وأعلنت فصائل الائتلاف الوطني الديمقراطي والتي تضم كلا من: الجبهة العربية الفلسطينية، وجبهة النضال الشعبي، وجبهة التحرير الفلسطينية، وجبهة التحرير العربية، في بيان صحفي، اليوم الجمعة، أنها لم تكن جزءا من أية تفاهمات حول المستشفى الأميركي المزمع إقامته ولم تستشر بشأنه، مؤكدة رفضها المطلق للتعامل مع قضيتنا الوطنية بمنطلق إنساني.
وأضاف البيان، أن القضية الفلسطينية والمعاناة التي يعيشها شعبنا في كل أماكن تواجده هي نتيجة مباشرة للاحتلال البغيض الذي يسعى على الدوام لتقويض كل بنى الحياة الفلسطينية، ويواصل حصاره الظالم والجائر على قطاع غزة.
واعتبرت الفصائل، أن الرغبة الأميركية بإنشاء مستشفى أميركي في قطاع غزة بإدارة أميركية تنسجم مع ما طرح في مؤتمر البحرين الاقتصادي بالتعامل مع ظروف شعبنا باعتبارها قضية إنسانية وليست قضية سياسية لشعب يناضل من أجل الانعتاق من الاحتلال.
الجهاد الإسلامي: موضوع المستشفى لم يطرح على طاولة الفصائل ولم تتضح معالمه
من جانبه، قال القيادي في الجهاد الإسلامي أحمد المدلل، إن موضوع المستشفى لم يُطرح على طاولة الفصائل، ولم تتضح معالمه.
وأضاف في تصريح صحفي، أن قطاع غزة بحاجة إلى مستشفى، "لكن نرفض أن يكون ضمن صفقة سياسية".
وزارة الصحة: ننظر بعين القلق والحذر من مشروع إنشاء المستشفى
وكانت وزارة الصحة الفلسطينية، قد أكدت في وقت سابق رفضها القاطع لأي مشروع مهما كانت المسميات التي يندرج تحتها إذا كان يمس السيادة الفلسطينية والمشروع الوطني، وحقوق شعبنا.
وقالت الوزارة، إنها تنظر بعين القلق والحذر من مشروع إنشاء المستشفى الأميركي شمال قطاع غزة، معتبرة إياه "محاولة لتبييض صورة الاحتلال الإسرائيلي الملطخة بدماء الفلسطينيين، وخطوة مخطط لها لفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية بشكل نهائي وتام، من خلال منع أي تواصل على أي صعيد بين أبناء شعبنا في شقي الوطن".
وأضافت الوزارة أن هذا المشروع يسعى إلى تحقيق الأهداف الإسرائيلية الرامية لتصفية القضية الفلسطينية وتجزئتها، وخلق مبررات إضافية لصنع دويلة في قطاع غزة تكون على حساب التاريخ والحقوق الفلسطينية.
وتساءلت: كيف لأميركا التي قطعت الدعم عن مستشفيات العاصمة المحتلة وهددت حياة المرضى الفلسطينيين، أن تدعم إقامة مستشفى في قطاع غزة؟ إلا إذا كان الهدف الحقيقي من ورائه إيذاء الفلسطينيين وإلحاق الضرر بحقوقهم وتدميرها.
وأضافت أن محاولة حركة "حماس"، سلطة الأمر الواقع هناك، إخراج المشروع وكأنه دعم من "مؤسسة أميركية" لإزاحة الأنظار عن دعم الإدارة الأميركية له، محاولة فاشلة للخروج من هذا المأزق، فأي مشروع ينفذ من قبل أي مؤسسة أميركية يجب أن ينال رضى وموافقة البيت الأبيض.
وأوضحت الوزارة أن هذا المشروع لو كان بريئا ويهدف لخدمة أبناء شعبنا فلماذا لم يتم تطوير مستشفيات قطاع غزة القائمة حاليا، والموزعة في جميع مناطق القطاع، وليس في شماله بدعوى "تسهيل حركة العاملين فيها للدخول والخروج داخل أراضي الـ48"، فهل الأولى تسهيل دخول وخروج العاملين فيه والذين لا نعرف عنهم أي شيء، لا عن مؤهلاتهم ولا جنسياتهم ولا انتماءاتهم وأهدافهم، أم الأولى تسهيل وصول المرضى إلى المستشفى؟
وتابعت: لو كان هذا المشروع بريئا فلماذا يتم العمل عليه والتخطيط له بالخفاء دون علم وزارة الصحة، وهي التي نفذت مشاريع بمئات الملايين في قطاع غزة بدعم من الأشقاء العرب والدول المانحة والمنظمات الدولية، ولماذا هذا المشروع بالذات يتم التكتم عليه وإخفاء هوية مشغّل المستشفى والطواقم التي ستعمل به؟.
وأكدت الوزارة أنها تولي القطاع الصحي في المحافظات الجنوبية أهمية كبيرة، للتخفيف عن أهلنا المحاصرين هناك، مضيفة أنها تنفق سنويا 360 مليون شيقل لتغطية التحويلات الطبية للمرضى، إضافة إلى الأدوية والمستهلكات الطبية للمراكز الصحية في قطاع غزة، بمعدل مليون شيقل يوميا، عدا عن المشاريع التي تنفذها الوزارة هناك بدعم من المؤسسات الدولية والدول المانحة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها