لن نتوهّم أنه مع استقالة جيسون غرينبلات فإنّ أمر صفقة ترامب الصهيونية قد انتهى تمامًا، على اعتبار أنّه كان من بين أبرز صائغي بنودها!! لكن هذه الاستقالة وعلى هذا النحو المفاجئ الذي أعلنت فيه، تسجِّل اعترافًا صريحًا بفشل غرينبلات في مهمته بالترويج للصفقة الفاسدة، وشق دروب لها في المسارات الإقليمية والدولية، ولو كان غرينبلات قد أدرك مبكرًا حقيقة وطبيعة وصلابة موقف الرئيس أبو مازن، الذي أشهره ضد الصفقة الفاسدة، بكلمة واحدة، بأنّه الموقف الذي لن يجعل للصفقة  دروبًا سالكة في أيِّ مسار كان، لكان وفَّر على نفسه عناء الاستقالة، وما تسجل من اعتراف، سيظل نكسة في سيرته الذاتية. ولعل الإعلان الأميركي الذي قال إنَّ استقالة غرينبلات ستكون سارية المفعول بعد إعلان الشق السياسي للصفقة المحبطة، ليس سوى محاولة ترويج أخرى لهذه الصفقة، والإيحاء بأنها مازالت ممكنة ولو أن أبرز صائغي بنودها قد استقال!!
والواقع أن الشق السياسي الذي مازالت تلوح به إدارة الرئيس ترامب، وتلمح بأنه الشق الذي يحمل مفتاح الحل الممكن، هذا الشق في الواقع لم يعد له أي وجود فقد أعلن الرئيس الأميركي كامل بنوده يوم أعلن القدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وحين أعلن حربه على قضية اللاجئين، بمحاصرة "الأونروا"، ومحاولة تجفيف مواردها المالية، وعلى قضية الحدود، بدعم مشاريع الاحتلال الاستيطانية للضم والسيادة، وحين تغول ومازال في حربه ضد الشرعية الفلسطينية وقيادتها لا بالحصار المالي  فحسب، وإنما كذلك بفتح نار التحريض ضدها، باتهامها بقضايا فساد، وقصور وتخلف كان لغرينبلات، ومعه كوشنير وثالثهم سفير إدارة ترامب في إسرائيل فريدمان، الدور في فبركتها وتشغيل أدواتهم لترويجها!!
سينتهي أمر صفقة ترامب الصهيونية لا محالة، فلا دروب فلسطينية لهذه الصفقة الفاسدة، وهذا يعني أنَّ استقالة غرينبلات بالنسبة لنا، هي الاستقالة التي ستدفع بنا إلى مزيد من التصدي لهذه الصفقة، ومن حيثُ إنّها الاستقالة التي أكَّدت لنا صواب حراكنا السياسي، وجدارته، وحقيقة قوته في هدم بنيان الصفقة الفاسدة حجرًا إثر حجر.
لتواصل الإدارة الأميركية الترويج لصفقتها بحيلة الشق السياسي، الذي لن ننتظر أبدًا، لا لأنّه لم يعد له أي وجود فقط، بل لأنّه وفي الأساس الشق الصهيوني بالمطلق، والذي لا يستهدف سوى تصفية القضية الفلسطينية بكل بنودها، ومطالبها العادلة والمشروعة، وعليه وبقرار الشرعية الشجاع، فإنَّ صفقة ترامب لن تمر، وستذهب إلى هاوية الفشل والخسران، كما يذهب اليوم جيسون غرينبلات، وإلى حيث ألقت رحلها أم قشعم.