اعتادت الخارجية الأميركية تعريف دولة فلسطين بـ"الأراضي الفلسطينية"، ثُمّ غيّرت فأصبحت "أراضي السلطة الفلسطينية". وبعد إقرار الدولة اليهودية العنصرية في (إسرائيل)، وبدء التحضيرات لإعلان "صفقة القرن" وتأييد إدارة ترامب (إسرائيل) في ضمّها المستوطنات الواقعة ضمن أراضي السلطة، ذهبت الخارجية إلى إزالة أي إشارة إلى كلمتي "الأراضي المحتلة"، وكأنَّه ليس ثمة أراضٍ محتلة وإنّما أراضٍ "مُتنازَع" عليها!! اليوم شُطِبَت كليًّا اسم "السلطة الفلسطينية" أو "الأراضي الفلسطينية المحتلة" من قائمة تعريف المناطق في الشرق الأوسط. وهذا إجراء عدواني جديد يضاف إلى سلسلة الخطوات العدوانية الأميركية التي تهدّد بتصفية القضية الفلسطينية!
هكذا بقرار تمَّ شطب "القدس" واعتبرت عاصمةً موحّدةً أبدية لـ "الدولة اليهودية القومية". واليوم شطب ذكر السلطة أو الاحتلال!! فهل يمكن لعاقل في العالم أن يصدّق أنَّ أميركا تريد سلامًا واستقرارًا في المنطقة؟؟ وهي تستغل ما يجري في العالم العربي، وهرولة العرب نحوها وهي تبتزهم، وتشارك (إسرائيل) في الاستفادة من الفوضى وحمّامات الدم والحروب الجارية والتفكُّك والضعف في عدد من الدول لتغطي مشروع تصفية قضية فلسطين وتحويلها إلى قضية إنسانية، بمعنى أنّ ثمّة شعبًا فقيرًا يعاني مجاعة وعطشًا ويفتقد الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم فينبغي العمل لـ"مساعدته"!!
تزامن قرار الخارجية الأميركية مع إعلان الرئيس ترامب عن الاستعداد لتقديم "خطة السلام" قبل الانتخابات الإسرائيلية. فـ"إسرائيل ترغب في التوصل إلى اتّفاق سلام والفلسطينيون سيرغبون في الحصول على تمويل أميركي وإبرام صفقة"!!
أوّلاً، (إسرائيل) دولة الإرهاب المنظَّم والاغتصاب والاستباحة لكل الشرائع والقوانين والقرارات الدولية، والانتهاك المفضوح لحقوق الإنسان، لا تريد سلامًا ولا يمكن أن تكون في هذا الموقع وهي التي تحاول القضاء على حق عودة اللاجئين إلى ديارهم وحق بقاء المواطنين الأصليين أصحاب الأرض التاريخية على أرضهم.
(إسرائيل) دولة الحقد والعنصرية والتمييز تريد قتل وسحل واقتلاع الفلسطينيين من أرضهم بأي طريقة. وهي لا تنفكُّ عن استخدام كلِّ الوسائل غير المشروعة لتحقيق هذا الهدف، وبالتالي ليست راغبة في اتفاق مع الفلسطينيين، وهي تهدّد وجودهم ومصيرهم!! والفلسطينيون لا يريدون مالاً "حسنة " أو "صدقة" من أميركا أو غيرها. هم أصحاب حقٍّ وقضية وكرامة. قضيتهم إنسانية بمعنى أنّها تعني كلَّ إنسان حُر وشريف. هي ليست قضية حاجة ماليّة. هي قضية حاجة إلى الاعتراف بحقهم في تقرير مصيرهم وعيشهم بكرامة على أرضهم. هم مناضلون شرفاء كبار أعزاء كرماء في عطائهم وتضحياتهم متمسِّكون بوطنهم وبأمانة شهدائهم ومناضليهم وقادتهم الذين استشهدوا على مدى عقود من الزمن دفاعًا عن الحق والكرامة.
المؤلم والبشِع في ما نعيش اليوم هو أنَّ كل ما يجري من استهداف لفلسطين وشعبها لا يحظى بالحد الأدنى من الاهتمام من العرب. هكذا تُشطَب فلسطين وأرضها من الخريطة بقرار من الخارجية الأميركية ولا نسمع كلمة إلّا ما أعلنه مؤخّرًا أمين عام الجامعة العربية في تصريح يدين فيه القرار ويدعو إلى التصدي له ولكل محاولات إلغاء "الأونروا" وتكريس القدس عاصمةً موحَّدة لدولة الإرهاب اليهودية في كل المحافل الدولية، في وقت اعتبر فيه دان شابيرو سفير الولايات المتحدة السابق في (إسرائيل) القرار "جنونًا" وقال: "لن يذهب الفلسطينيون إلى أي مكان آخر والمصالح الأميركية تتطلب التعامل معهم".
أمّا آمال ترامب بإغراء الفلسطينيين بالمال، والتصدُّق عليهم فمَن أين سيأتي بهذه الهبة أو الصدقة؟؟ إنّه عيب وعار في تاريخ العرب. ترامب يصادر مالهم، يفرض عليهم "الدفع" لأنَّ لديهم المال!! يأخذه، يشتري فلسطين لـ(إسرائيل) ويحاول إغراء الفلسطينيين بمال ومساعدات بعد تجويعهم وحصارهم ومحاولة إذلالهم وخنقهم وهو في حقيقة الأمر يخنق العرب كلهم لمصلحة (إسرائيل) وهم لا يفعلون شيئًا ولا يقولون كلمة!!
فلسطين ليست كلمة. ليست اسمًا. هي قضية وتاريخ وحاضر ومستقبل وتراث وذاكرة وتجارب وعناوين حرية ونضال وكرامة وعزة وجهاد وتضحية ووفاء وعزيمة وإرادة وصمود وبطولة ومقاومة وابتكار أساليب مواجهة، وإبداع، ومثقفون، ولامعون، ومخترعون وأطباء، ومهندسون وكتّاب وشعراء وأدباء ومنتجون في العالم كله. فلسطين أسماء قادة شهداء، وأسرى ومحرّرين، وجرحى ومعوّقين، وصامدين وصابرين وأطفال مقاومين ونساء وشباب وشابات وكهول شباب في عزيمتهم وإرادتهم وشعب استثنائي.
فلسطين هي "البالونات" المقاومة و"الطائرات الورقية" المقاومة. فلسطين لا تُشطَب بقرار، ولن تُشطَب بحروب. وستعود لأهلها مهما طال الزمن. فلسطين أغلى وأعلى القضايا والأمانات.