في كثيرٍ من المقالات تصادفك من كُتّاب كبار -عرب وفلسطينيين- سقطات بسيطة كان الأولى بهم تجنُّبها لسهولة التدقيق بعد الكتابة للمسودّة أو بالتدقيق بعد الطباعة، وأقصد القضايا اللغوية والإملائية والطباعية الفاقعة، وهذا أمر هيّن يحتاج لتفحص وتدقيق ومتابعة.
ولكن أن يعمد عددٌ من الكُتَّاب لإيراد مقولات أو مفاهيم أو مصطلحات غير صحيحة أو مشكوك بها أو خاضعة لجدل، ولكنّه يوردها كمسلّمة أو فرضية لمقاله فهذا كثير!
أمَّا في السياق السياسي والوطني فكيف لكَ أن تفهم استخدامات كُتّاب كِبار لمصطلحات الإسرائيليين التوراتية أو المصطنعة حديثًا، وهذا الفعل متكرّر بالصحافة والمواقع والإذاعات والمرئيات.
وسأضرب مثالاً هنا عن الأسماء العربية الفلسطينية أي المقصود أسماء القرى والمواقع والشوارع والمعالم، الخ، فأنتَ تجدُ الاستخدام المتكرّر مثلاً لمصطلح قبر النبي يوسف في نابلس وهو لا قبر ولا يوسف، ومصطلح "قبّة راحيل" عوضًا عن مسجد بلال ومستوطنة (هي مستعمرة أو مستدمرة أو مغتصَبة) "هارحوماه" بدلاً من جبل أبو غنيم، ومصطلح جبل الهيكل بدلاً من المسجد الأقصى الذي هو بمساحة 144 ألف متر مربّع، وهو كلُ ما دار حوله السور من مساجد مغطاة أو معالم وساحات وأسوار.
ولك التأمُّل في الترداد الغريب لأسماء المستعمرات المقامة على قرانا أو مناطقنا بالضفة الفلسطينية كما ترداد اسم المستوطنة قرب قرية دير ابزيع في عملية التفجير مؤخّرًا، دون أن يقوم الكاتب المسيّس بقليل من التحرّي والبحث ليكتشف أنَّ المنطقة هي منطقة عين بوبين أو العين! وهي الأولى بالإشهار من اسم المستعمرة المزوّر للمشهد!
وكما الحال مع عملية "حزب الله" في شمال فلسطين حيث تكرَّر اسم المستعمرة هناك بتغافل أو تجاهل أو جهل بِاسم القرية أو الأرض التي أُقيمَت عليها كمثال وهي قرية الصالحية المهجّرة، من بين أكثر من 350 قرية وبلدة طُرِدَ أصحابها العرب الفلسطينيين في نكبة وحرب 1948.
نحن ندخل في الخط الأحمر الوطني حين نتبنَّى المصطلحات والمسميات الجغرافية والسياسية والتاريخية الصهيونية بدون قصد كما أفترض.
ونتنازل شيئًا فشيئًا لنكتشف أنَّ كلَّ بلداتنا وأراضينا وسهولنا ومدننا وأسماء جبالنا وودياننا وصحارينا الخ في فلسطين قد تبنَّينا فيها الأسماء المزوّرة لها من الإسرائيليين المحتلين لمجرَّد عدم التحري.
يقول الكاتب الإسرائيلي "ميرون بنفنستي" في كتابه "المشهد المقدَّس-طمس تاريخ الأرض المقدسة منذ العام 1948": (في هذا المشهد الذي تكشَّف أمام ناظريهم، بحثوا عن بقايا لا تزال موجودة من حلمهم، ورويدًا رويدًا رسموا لأنفسهم خريطة جديدة، غطّت المشهد المهدد، ولكن لم يكن هذا مجرّد خريطة من الورق والأوهام، فقد أصروا على أن يصمّموا الواقع، المشهد المادي، وفقًا لرؤياهم وأحلامهم، فقد حطّموا المشهد الفلسطيني وبنوا مكانه مشهدهم الخاص، حيث تشكّل الأسطورة العتيقة مبرّرًا وذريعة).
فالأسماء التوراتية الحالية في فلسطين من شمالها لجنوبها هي محض تلفيق وتزوير مقصود من لجنة تسمية الأماكن التي أنشئت في الكيان الإسرائيلي عام 1949 من 9 مزورّين كبار امتدادًا لتزوير منذ القرن 19 كما يذكر أيضا "بنفنستي".
نعم على الكاتب السياسي ذي الوعي الوطني والثوري المحارب من أجل قضيته أن يُكلِّف خاطره بقليل أو كثير من الجهد والبحث والتحري والسؤال، ولا يروِّج الرواية أو المصطلحات الصهيونية، فيضيّع الأجيال التي قد تراه نموذجًا أو قدوة، وهو بذلك أيضًا يُغفِل دورَهُ التوعوي التعبوي الوطني الذي لا ينفصل عن دوره التحليلي والنقدي مُطلَقًا.
#إعلام_حركة_فتح_لبنان