اجتماع القيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس أبو مازن، رأس شرعيتنا الفلسطينية، يوم الخميس الماضي، كان اجتماعًا مركّزًا، محدَّد الهدف واضح الرؤية، أوقف العمل بجميع الاتفاقات التي وقعناها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي تمَّت برعاية أميركية كاملة، وباهتمام دولي واسع، وهكذا، وكما هي العادة، فإنّ الشعب الفلسطيني وعلى رأسه قيادته الشرعية، تتقدّم الصفوف. قال كلمته بعد سنين طويلة من العبث الإسرائيلي التي بدأت باغتيال اسحق رابين رئيس وزراء إسرائيل الذي وقَّع الاتفاق مع منظمة التحرير الفلسطينية، وبعد انحياز أعمى لا يليق بدولة عظمى كالولايات المتحدة، حيث يتضح أنَّ رئيسها الحالي مع إدارته التي اختارها متعمّدًا من اليهود وأعضاء جماعات المسيحيانية اليهودية، وأعني به الرئيس دونالد ترامب، وصل إلى البيت الأبيض نتيجة ملابسات تعني أول ما تعني الشعب الأميركي ولكن الرجل جاء وفي ذهنه أنّه عاجز عن فعل أي شيء ذي قيمة، سوى الانتقال بأميركا من دور الوسيط في هذا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى دور العدو الكامل والمباشر، وهذا فعل بالضبط انطلاقًا من اعتقادات وهمية تجرَّعها طوال حياته الخائبة، بأنّ أعظم إنجاز في حياته أن يشطب القضية الفلسطينية عن الطاولة، وأن يلقي كل مفرداتها، وأن يواجه شعبها وقيادتها بما يفوق كل التوقعات من العداوة، حتى يضمن إرضاء اليهودية العالمية عنه، ولتضمّه تحت جناح الرضى، حتى لو كان الثمن الظهور بمظهر السكرتير النشيط الذي ينفّذ تعليمات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتيناهو، فرأيناه يهدي القدس إلى إسرائيل بجرّة قلم، ويشطب قضية اللاجئين بغباء وتبسيط منقطع النظير، ويشطب "الأونروا" من قائمة أولوياته، ويظهر عاريًا مفضوحًا بالنسبة لمواقف لا يستطيع أن يدافع عنها حتى أمام نفسه.
القيادة الفلسطينية، وعلى رأسها أبو مازن الذي هو معبّأ بمعرفة شاملة وعميقة لقضيته الفلسطينية لم يتسرَّع في القرار لكنه لم يتأخر في رفض هذا الرئيس الأميركي الذي تحيط به التهم كما لو أنّه مجنون، قال كلمته التي هي القول والفصل والقرار الحاسم، فترامب اليوم يقف مكشوفًا أمام شعبه، أمام دولته، وأمام كل مؤسساتها القانونية والدبلوماسية والدستورية، أُدين قبل أيام بالعنصرية، ويوشك بعد أيام أن يواجه مقارنات تتعلّق بعزله، لعدم الكفاءة وعدم المصداقية، بالإضافة إلى وقوفه متوتّرًا أمام محاولات فاشلة في مواجهات مع العالم، مع الصين في حرب تجارية، مع كوريا الشمالية التي يريد أن ينزع سلاحها النووي فتفاجئه كل يوم بسلاح من نوع جديد، ومعارك فاشلة أخرى فتحها مع جهات الأرض الأربع، لكنه مازال أسيرًا لجنونه المطبق ما يجعله شهيرًا أن يؤدي في القضية الفلسطينية دورًا شاذًّا .
ترامب يخبط رأسه في الصخرة التي يعتقد أنّها مجرد حجر صغير، فإذا به يكتشف أنّها جبل ضخم يغوص في الأعماق، فلسطين والقدس وكل مفرداتها الأخرى، هي قضية هوية، وهي قضية عقيدة، وهي قضية تاريخ ممتد في عمق الزمان، وهي صانعة السلم والحرب، والاستقرار أو الفوضى الشاملة، والشعب الفلسطيني بهذا القرار الذي اتخذته القيادة الفلسطينية يصعد ليكون بوصلة الطريق، الشاهد والشهيد معا، ولا يستحق لا الانتصار، فهنيئًا لك يا شعبنا يا صانع القيامات.