من باب الحوار الذي يظل بالنسبة لنا طريقًا للتنوُّر المعرفي، وبغاياته الديمقراطية، التي لا تريد لأي خلاف أن يفسد للود أية قضية، نرى، ومن باب هذا الحوار، تعجُّلاً حزبيًّا في التصريح الصحفي لنائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية، الذي وصف فيه قرارات الرئيس أبو مازن الأخيرة، بشأن السلطة القضائية، وإعادة تشكيل مجلسها الأعلى بأنّها مس خطير (!!!) باستقلال القضاء!! وبدايةً ثمّة جملة في هذا التصريح، تكشف عن مدى عواره الإعلامي والمعرفي، وهي الجملة التي تقول: إنّ "إعادة تشكيل هذه المؤسسة بقرار رئاسي، من المشكوك (!!) بأنه يستند إلى أسس دستورية صحيحة"، وعلى هذا النحو يبدو عوار هذا التصريح بغاية الوضوح، لأنَّ موقفا كهذا الذي يعبر عنه، لا ينبغي أن يستند إلى قاعدة  المشكوك به!!
وما ثمّة جدل أنَّ الضليع بالقانون الأساسي، ليس هو السياسي ولا الحزبي، وإنَّما رجل القانون، الذي هو في الرئاسة، المستشار القانوني للرئيس أبو مازن، وهذا يعني أنّ الرئيس لا يوقع قرارًا في هذا الإطار دون مشورة الضليع بالقانون الأساسي، وليس بمشورة الغايات السياسية أو الحزبية، التي انطوى عليها التصريح الصحفي لنائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية!!!
كان من الضرورة أن يراجع نائب الأمين العام جملته الدستورية، قبل اعتمادها في تصريحه المكتوب مسبقًا والذي على ما يبدو أنه لا يدافع عن القضاء واستقلاليته، بقدر ما يستهدف تسجيل حضور إعلامي  تماهيا مع دور "المعارضة" الذي غالبًا ما يكون على قاعدة "عنزة ولو طارت"!! والمؤسف أنَّ القانون الأساسي الذي انتهك تمامًا في قطاع غزة المكلوم، بفعل الانقلاب الحمساوي العنيف، لم يجد دفاعًا عنه من  قبل هذه "المعارضة" التي ما زالت ترى في الانقسام الذي أنتجه الانقلاب الذي دبّرته قوى إقليمية ودولية، ما زالت ترى فيه محض خلاف بين "فتح" و"حماس" فلا تذهب إلى موقف مناهض له على نحو حاسم ولا حتى إلى  فصل المقال!!
غير ذلك لم يلتفت تصريح نائب الأمين العام إلى أن مجلس القضاء الذي أعيد تشكيله بقرار رئاسي، هو مجلس انتقالي، ولمدة عام واحد، بمهمة إعادة ترتيب أوضاع القضاء، وإعداد القوانين اللازمة لإصلاح هذه الأوضاع، والقرار يأتي في إطار تفعيل عجلة الإصلاحات في القضاء، التي يأمل الرئيس أبو مازن "أن تثمر ليعود القضاء إلى وضعه ومكانته المقدسة والممتازة، ليستطيع أن يقوم بواجبه على الوجه الأكمل في خدمة المواطنين كسلطة مستقلة "وهذا لا يوحي ولا يشي ولا بأي حال من الأحوال بتزايد هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، كما يتوهم تصريح نائب الأمين العام، وإنّما على العكس فإنّه يوضح بما لا يدع مجالا للشك، أنَّ السلطة التنفيذية هي الحريصة تماما على سلطة القضاء واستقلاليتها، ولطالما كان هذا ومازال هو دأب الرئيس أبو مازن، والذي دائمًا ما يردّد أنه ما من أحد فوق القانون ولا بأي شكل من الأشكال.
يبقى أن نقول وبمحبة وطنية، لا يليق بالجبهة الديمقراطية، أن تواصل دور المعارضة على أساس تلك القاعدة العدمية، قاعدة "عنزة ولو طارت"!!!