بالطبع هناك الكثير من القضايا المهمة التي أثارها التقرير السنوي لمعهد سياسات الشعب اليهودي، ولكن ما لفت نظري هو الجزء الخاص بتقييم علاقات (إسرائيل) بالولايات المتحدة الأميركية، وبالتحديد ما أورده التقرير من توصيات بهذا الشأن.
بعد أن يلاحظ التقرير أنَّ العلاقة مع إدارة ترامب والحزب الجمهوري هي في أروع حالاتها، فإنّه يلحظ التراجع في التأييد لإسرائيل في أوساط الحزب الديمقراطي. في هذا المقطع بالتحديد كما وكأنّ التقرير يوجه انتقادًا مبطَّنًا لنتنياهو الذي يضع كل أوراقه بيد ترامب والحزب الجمهوري، وأنّ هذه العلاقة التي فيها شكل من أشكال التماهي التام بين نتنياهو وترامب أصبحت مثار نقد وحتى استياء في أوساط الديمقراطيين، ولذلك يحذر التقرير من الانعكاسات السلبية لهذا الواقع على (إسرائيل) في المدى البعيد، خصوصًا أنّ عام 2020 هو عام انتخابات رئاسية في الولايات المتحدة.
ومن دون أن يحلّل الاسباب "السيواقتصادية" وبالتالي لتلاقي الأفكار بين اليمين الأميركي والإسرائيلي، فإنّ التقرير يوصي بإقامة علاقات متوازنة مع الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وبالتالي الدعوة إلى ترميم علاقة (إسرائيل) مع الديمقراطيين.
ولكيلا نذهب بعيدًا في المراهنات والتحليلات، فان كلا الحزبين يدعمان إسرائيل، وأن هذا الدعم يمثّل احد الأركان الرئيسة والاستراتيجية في السياسة الأميركية بغض النظر عن الحزب الذي يسيطر على البيت الأبيض. ولكن علينا أن ندرك هنا أنّ هناك وباستمرار، علاقة خاصة تربط الديمقراطيين أكثر باليسار الإسرائيلي، وبالمقابل علاقات أوثق بين الجمهوريين وقوى اليمين في (إسرائيل).
الجديد هو هذه العلاقة ذات الأبعاد الأكثر تطرُّفًا وعنصرية وحتى فاشية في علاقة أقصى اليمينَين الأميركي والإسرائيلي، وهو امر دون شك مخيف بالنسبة للمجتمع والقوى اللبرالية التي تدعو إلى الانفتاح في الداخل والخارج. تقرير معهد سياسات "الشعب اليهودي"، وهو بالمناسبة من اهم المعاهد التي تراقب وتحلل حال اليهود في العالم، حذّر من مثل هذا الانزلاق الذي يجعل (إسرائيل) في وضع حرج مع نصف الأميركيين.
ولأنَّه يرى بعين أوسع بكثير من عين نتنياهو اليمينية، فان التقرير يقول نحن نريد كل أميركا وليس نصفها اليميني فقط، وحذَّر من وضع قد تزداد معه خسارة التأييد لإسرائيل في الحزب الديمقراطي وأوساط اللبراليين واليساريين، وحتى لدى لبراليي الحزب الجمهوري ذاته، ويحذر التقرير بشكل خاص من ان الولايات المتحدة على وجه انتخابات، وبالتالي لا يريد أن تتعمّق الفجوة مع الحزب الديمقراطي ويدعو لترميمها بأسرع وقت، فكما يقول التقرير أن بإمكان (إسرائيل) أن تحصل اليوم وفي ظل إدارة ترامب على اتفاق استراتيجي أعمق واشمل مع واشنطن ولكن هذا يحتاج إلى الدعم من كل أميركا وليس جزءًا منها.
وبعيدا عن توصيات معهد سياسات الشعب اليهودي، فانه وفي ظل هذا التناغم اليميني العنصري والفاشي في إسرائيل وأميركا، فإنّ أبوابا تفتح أكثر اليوم لنا أمام عمل فلسطيني، فبقدر ما يوصي المعهد المذكور إسرائيل لإعادة التوازن لعلاقاتها بالحزبين، فان علينا أن نوثق علاقات أوسع مع الديمقراطيين ولفت نظرهم إلى أنّ هناك رواية غير تلك الصهيونية التي يحفظونها عن ظهر قلب للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومن دون شك أن فرص التأثير الفلسطيني هي اكبر اليوم ومع قطاعات واسعة من الشعب الأميركي هي متطورة من سياسات ترامب واليمين الأميركي العنصرية والفاشية، ففي الولايات المتحدة ما يشبه الصراع المحتدم بين هذا اليمين وكل المهاجرين من أصول عربية وأسيوية وإفريقية ولاتينية، إلى جانب ممثلي الطبقة الوسطى من لبراليين ويساريين داخل الحزب الديمقراطي وخارجه.