طالما تساءلتُ عمّا يلائم إنسان هذا العصر، القصّة القصيرة أم الرّواية؟ وهل نستطيع أن نعصر أحداثًا متراكمة وآراء متضاربة فيما قلّ من الكلام كي نتعايش ونتماهى مع روح العصر تاركين التّفاصيل لخيال المتّلقي ورغباته أم علينا أن نوكّل شهرزاد بسرد الرّواية كاملة منعًا للتقوّل وإرضاء لرغبة القارئ؟
روايتنا طويلة وفيها تفاصيل مملّة وفحواها: اعتذار لشعبنا الطّيّب عمّا حدث ويحدث. هذا الشّعب الصّامد الذي يحبّ النّعنع والميرميّة والزّعتر البّريّ وشقائق النّعمان والياسمين العربيّ ومياه النّبع ويسند ظهره إلى الزّيتونة الرّوميّة والسّنديانة الجبليّة يخذله النّرجس في هذه الأيّام.
 خذلنا النّرجس.... يخذلني النّرجس!
سبعة عشر يومًا ونحن ندور في دائرة فرس معصرة الزّيت.. ولا زيت نرى ولا ماء يتفجّر. والمخاض الذي يرجوه بنات وأبناء شعبنا متعسّر، والفرصة الذّهبيّة التي وُلدت مع حلّ الكنيست تتلاشى شيئًا فشيئًا وتتحوّل الى سراب.. كأنّنا نسينا نداءات الاستغاثة (S.O.S) من مكبّرات الصّوت ومن على المساجد والكنائس.
غاب من أجندتنا قانون القوميّة، وتوارت صفقة القرن وراء مكسب مادّي صغير. ونسينا خمسين ألف بيت عربيّ مهدّد بالهدم.. وتصاممنا عن خبر كلّ صباح عن قتيلة أو عن قتيل من شعبنا. ولا احتلال ولا استيطان ولا يمين فاشيًّا ولا تحريض أرعن علينا.. ولا.. ولا.. بل انشغلنا بالتّناحر والتّشاجر على سمك في البحر بل على سردينات في البحر.
كان من البدهيّ أن ينعقد هذا المؤتمر للجنة الوفاق والرّباعيّة والمرشّحين في الفاتح من تمّوز وأن تنطلق القائمة المشتركة وأن يتفرّغ فرسانها ودعاتها لزيارات البيوت والأحياء واستعادة ثقة النّاس بها.
شعبنا متعطّش للوحدة ويريد قائمة مشتركة على الرّغم من أنّه يعي بأن البرلمان لن يدرّ عليه سمنًا وعسلاً إلا أنّه منصّة كي يُسمع الآخر صَوته، وكي يحقّق النزر من المكاسب الحياتيّة.
الأخوات والأخوة،
نحن، لجنة الوفاق الوطنيّ، لا مصلحة لنا سوى مصلحة شعبنا. عملنا ليل نهار، على حساب مشاريعنا الحياتيّة والأكاديميّة والأدبيّة، على حساب صحّة أبداننا معتمدين على ثقة شعبنا بنا ودعمه إيّانا. نحن لا نتقاضى أجرًا من أحد، ولا مخصّصات من أحد، لا من سلطة ولا من حزب ولا من جمعيّة. ثيابنا نظيفة وأيدينا طاهرة. لم ندخل مكتب حزب من الأحزاب ولا نعرف بيت نائب أو قائد حزبيّ. لم نشرب فنجان قهوة على حساب جيب أحدهم. نقف على بعد واحد من جميع الأحزاب. برهنا طيلة عملنا للقاصي والدّاني على صدقتنا ومصداقيتنا ولولا ذلك ما اتفقت الأحزاب الأربعة بعد حوار ونقاش بينها استمر شهرًا على أن نكون مرجعيتها وعلى تشكيل القائمة من المقعد الأوّل حتّى المقعد السّادس عشر.
قلت لهم علانيّة باسم لجنة الوفاق أكثر من مرّة: لا نريد هذا الحمل الثّقيل الا أنهم اصرّوا على ذلك فوافقنا على تحمّل المسؤوليّة.
نحن لا نعمل من أجل حزب أو حركة بل نعمل من أجل شعبنا.
طلبنا منهم التّوقيع على صكّ توكيل وتفويض وهذا نصّه.  
صكّ توكيل وتفويض
نحن الموقّعين أدناه، ممثلي الجبهة الدّمقراطيّة للسّلام والمساواة والحركة العربيّة للتغيير والحركة الإسلاميّة والتّجمّع الوطنيّ الدّمقراطيّ، مكوّنات القائمة المشتركة، نعلن بهذا بأنّه بموجب الاتفاق الذي تمّ بيننا بإعادة تشكيل القائمة المشتركة، فإنّنا نوكّل ونفوّض لجنة الوفاق الوطنيّ بتشكيل قائمة المشتركة لانتخابات ال 22 ، من المقعد الأوّل حتّى المقعد السّادس عشر، ونتعهّد بالقبول والموافقة التّامة والملزمة دون أي اعتراض لما تقرّره لجنة الوفاق الوطنيّ بهذا الصّدد والعمل على إنجاح مشروع القائمة المشتركة وتحقيق ما تصبو إليه جماهير شعبنا من منجزات.
وعليه اقتضى التّوقيع
عن الجبهة الدمقراطيّة للسّلام والمساواة:
1. المهندس رامز جرايسي 2. المهندس منصور دهامشة.
عن الحركة العربيّة للتّغيير:
1. المحامي أسامة السّعديّ 2. السّيد علي حيدر.
عن الحركة الإسلاميّة:
1. الأستاذ إبراهيم حجازي 2. المحامي طلب أبو عرار.
عن التّجمع الوطنيّ الدمقراطيّ:
1. د. جمال زحالقة 2. د.مطانس شحادة.
دعونا ممثلي الأحزاب حزبًا وراء حزب واستمعنا إلى رؤية كلّ حزب في تشكيل القائمة ووجهنا إليهم عدّة أسئلة مثل: عدد السّلطات المحليّة التي يرأسها رؤساء من أحزابهم وعدد أعضاء السّلطات المحليّة والبلديّة الذين يمثّلون أحزابهم في المجالس المحليّة والبلديّات.
أجمعت الأحزاب على ثلاثة أمور أوّلها اعتماد ترتيب المقاعد العشرة الأوائل تجسيدًا لنتائج الانتخابات في شهر نيسان 2019 وثانيها المرشّح الأوّل ورئيس القائمة من الجبهة الدّمقراطيّة وثالثها طالبت معظم الأحزاب بالمقعد الحادي عشر.
عملنا بمسؤوليّة وبعد نقاش هادئ وموضوعيّ مدركين أنّ قاضيًا في الجنّة وقاضيين في النّار، مجتهدين ونحن نعرف أنّ من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد، معتمدين على نتائج الانتخابات الأخيرة والسّابقة وفحوى تشكيل كلّ قائمة في الانتخابات الماضية وقد أجمع أعضاء اللجنة على القرار التّالي.
توزيع المقاعد كما يلي:
1. الجبهة الدمّقراطيّة 2. الحركة الإسلامية 3. الحركة العربيّة للتّغيير 4. التّجمّع 5. الجبهة الدّمقراطيّة 6. الحركة الإسلاميّة 7. الجبهة الدّمقراطيّة 8. التّجمّع 9. العربيّة للّتغيير 10. الجبهة الدّمقراطيّة 11. الحركة الإسلاميّة 12. الجبهة الدّمقراطيّة 13. التّجمّع 14. العربيّة للتّغيير 15. الحركة الإسلاميّة 16. الجبهة الدّمقراطيّة.
2. قرّرت اللجنة أنّه إذا شغر مكان أحد أعضاء الكنيست من المشتركة لسبب من الأسباب يدخل مكانه الآتي في الدّور دون اعتبار للحزب الذي ينتمي إليه.
3. لا تناوب في المقاعد.
4. لجنة الوفاق هي المرجعيّة الوحيدة في حال حدوث أي خلاف في القائمة المشتركة.
كنت أقدّر أنّ قرارنا لن يرضي الجميع فلكلّ حزب طموحاته. ولا أريد أن أثقل عليكم وأسرد لكم ما جرى في بيت الأخ منصور دهامشة في كفر كنّا عندما أعلنتُ قرار اللجنة ولكنّي أوجز فأقول إنّ ما جرى بعيد جدًّا عن طعم الرّمّان في كفر كنّا قبل نضوجه وبعد نضوجه.
لو احترم الجميع قرار لجنة الوفاق والتزموا به لحصلت المشتركة على 14 إلى 15 مقعدًا ولكنّ ما جرى أضعفها.
أعلنت الجبهة الدّمقراطيّة والحركة الإسلاميّة احترامهما لقرار اللجنة والتزامهما به. وأرى من الواجب أن أشكرهما على أمر بدهيّ قامتا به لأنّنا صرنا كما قال المتنبيّ.
إنّا لفي زمنٍ تركُ القبيحِ به           من أكثر النّاس احسانٌ وإجمالُ
وأمّا التّجمّع الوطنيّ فأعلن رفضه للقرار كما سحب تفويضه وتوكيله الذي وقّعه رئيس الحزب وأمينه العام المرشّح الأوّل في قائمة الحزب وأصرّ التّجمّع على انّه يريد المقعد الثّاني عشر والمقعد الثّالث. وأمّا العربيّة للتّغيير فلم تسحب تفويضها وتوكيلها ولم يصدر عنها ما يسيء للجنة الوفاق إلا أنّها لم تلبِّ دعوتنا للقاء بنا مرّتين، كما أنّها رفضت الأماكن التي وردت في القرار وهي الثّالث والتّاسع والرّابع عشر وطالبت بتحريكها إلى أماكن متقدّمة أكثر.
حاولت لجنة الوفاق الوطنيّ جاهدة وعلى مدار سبعة عشر يومًا ليل نهار في إيجاد المعادلة المنقذة والكفيلة للخروج من الأزمة من خلال لقاءات مكثّفة مع الأحزاب وبمساعدة وسطاء خيّرين من أبناء شعبنا لرأب الصّدع والتّسريع بالإعلان عن الإتّفاق التّام لكنّ هذه الجهود جوبهت بالتّجاهل التّامّ من التّجمع الوطنيّ الذي أصرّ على مواقفه ورفض دعوات الوفاق المتكرّرة لجلسات مع الأحزاب الأخرى كما أنّ العربيّة للتّغيير تمسّكت بموقفها الرّافض.
تعرّضنا في هذه الفترة إلى انتقادات خرجت عن اللياقة والتّعامل الإنسانيّ، كما شتمنا اليوم من مدحنا في الأمس ولم نردّ على هذه الأقوال بل أقول أمامكم: سامحهم الله. اللهم اغفر لهم وسامحهم فإنّهم لا يعلمون.
الأخوّة والأخوات،
ما جئت لأنعى لكم القائمة المشتركة بل جئت أتحدّث إليكم كي يعرف شعبنا ما جرى وكي يكون هذا الحدث الإعلاميّ رافعة لتعيد الأحزاب حساباتها وتواصل حوارها لتتوصّل إلى إتّفاق يعلن انطلاق قطار المشتركة بحيث تكون شاملة لكافّة مكوّناتها فاتحة أبوابها لأجسام وحركات أخرى.
نحن لجنة الوفاق الوطنيّ كنّا حجر الأساس في بناء القائمة المشتركة في العام 2015 وهو أهم حدث سياسيّ لجماهير شعبنا في البلاد ونؤكّد اليوم ألا خيار سوى المشتركة.
نحن لم نفرض أنفسنا على أحد في يوم ما. كنّا وما زلنا مستعدّين لتقديم جهدنا وخبرتنا لمن يريدنا من الأحزاب العربيّة.
مرّة أخرى أعتذر لبنات وأبناء شعبنا عمّا حدث.
ونسأل الله تعالى أن يهدي إخوتنا وأبناءنا وبناتنا في الأحزاب العربيّة إلى التّوفيق.
والسّلام عليكم.     
*نصّ الكلمة التي ألقاها رئيس لجنة الوفاق الوطنيّ الأديب محمّد علي طه في المؤتمر الصّحفيّ الذي عقدته اللجنة في مدينة النّاصرة في 18 تمّوز 2019.