اعترف مسؤول رفيع في وزارة الأمن الإسرائيلية بأن إسرائيل تمارس سياسة تعتيم على صفقات بيع الأسلحة لدول، وبينها تلك التي تمارس جرائم حرب ضد مواطنيها أيضا. ونقل المحلل العسكري في "هآرتس" عاموس هرئيل، يوم الجمعة، عن هذا المسؤول قوله إنه "لا نشارك بالمعلومات حول ما إذا بعنا سلاحا ولأية دول، وأطلعنا قضاة المحكمة العليا على التفاصيل، ولا يمكننا تأكيد أو نفي صفقات".
وأضاف: "إن الملتمسين إلى المحكمة العليا الإسرائيلية ضد بيع أسلحة لأنظمة دكتاتورية ترتكب جرائم حرب، يتلقون إجابات مقتضبة وثابتة، لكن هناك سياسية وأمنية تبرر ذلك، وربما بإمكان دول أخرى ممارسة شفافية، لكن نحن موجودون في مكان آخر، ونحن لا نلغي النقاش حول ذلك بجرة قلم، والأسئلة شرعية، لكن القرارات والسياسة تتبلور بعد دراسة كافة الاعتبارات ذات العلاقة".
جاءت أقوال هذا المسؤول ردا على تقرير لمنظمة العفو الدولية (أمنستي) حول صفقات وصادرات الأسلحة الإسرائيلية، ووجه انتقادات شديدة لإسرائيل في هذه الناحية، وأكد تقرير أمنستي على أن إسرائيل تواصل تصدير الأسلحة إلى دول تنتهك حقوق الإنسان بشكل منهجي، وتستخدم جيوش ومنظمات الأسلحة المصنوعة في إسرائيل في ارتكاب جرائم حرب، ويستعرض تقرير أمنستي معطيات حول ثماني دول كهذه، حصلت في السنوات الأخيرة على عتاد عسكري من إسرائيل، وفقا للتقرير الذي نشرت "هآرتس" اليوم، مقاطع هامة منه بصورة حصرية.
وقالت أمنستي في تقريرها الصادر بعنوان "بدون مراقبة – أسلحة بأيدي قتلة"، إن الأسلحة الإسرائيلية تصل إلى غايتها، أحيانًا، بعد سلسلة صفقات ثانوية، لتلتف بذلك على الرقابة الدولية وحتى على شروط وضعتها إسرائيل على نفسها، ودعت المنظمة الحكومة والكنيست ووزارة الأمن في إسرائيل إلى فرض رقابة متشددة أكثر على تصدير الأسلحة وفرض قواعد شفافية تبنتها دول أخرى في العالم الغربي.
ورغم أن إسرائيل وقعت على معاهدة مراقبة التجارة بالأسلحة التقليدية، التي أبرمت عام 2014، إلا أن حكومتها لم تصادق عليها، وتتهم أمنستي إسرائيل بأنها لا تعمل وفق روح المعاهدة ولم تتبناها من خلال سن قانون وإتباع سياسة منسجمة معها. وقالت المنظمة إنه "لا يوجد أي مبرر أن تستمر إسرائيل بالانتماء للنادي غير المحترم لمصدرات الأسلحة مثل الصين وروسيا".
ورغم أن الكنيست سنّت قانونا في العام 2007، لمراقبة تصدير الأسلحة، إلا أن هذا القانون لا يعرّف الصادرات الأمنية بشكل واسع، ولا يشمل تعليمات واضحة تقيّد تصدير السلاح عندما يكون هناك احتمالا بأنه سيستخدم من أجل انتهاك القانون الدولي والإنساني.
وأكدت أمنستي على أن "غياب الرقابة وانعدام الشفافية، مكّن إسرائيل طوال عشرات السنين من تزويد عتاد وخبرات أمنية لدول مشكوك فيها وأنظمة دكتاتورية أو غير مستقرة وكانت منبوذة من المجتمع الدولي".
واقتبست أمنستي من تقرير أعده العميد في الاحتياط في الجيش الإسرائيلي عوزي عيلام، ونُشر عام 2007، وجاء فيه أن "ستارا ضبابيا كثيفا غطى دائما عمليات التصدير الأمني، ودول الهدف التي اعتبرت "منبوذة" من قبل المجتمع الدولي – تشيلي إبان حكم بينوشيه وجنوب أفريقيا إبان نظام الأبارتهايد – كانت ضمن قائمة غايات التصدير الإسرائيلي، وساعد حجاب السرية في منع تعرضها لضغوط دولية، لكنه منع أيضًا الشفافية على قرارات التصدير لصالح سياسة إشكالية وأبقى ترجيح الرأي بأيدي عدد قليل من المسؤولين، خاصة داخل جهاز الأمن".
وأشار هرئيل إلى أن قسما من تقرير عيلام ما زالت سارية حتى اليوم، وشمل تقرير أمنستي أدلة عينية على تصدير الأسلحة الإسرائيلية في العقدين الأخيرين إلى ثماني دول تنتهك حقوق الإنسان بشكل خطير ومنهجي، وهي جنوب السودان، ميانمار، الفليبين، كاميرون، أذربيجان، سريلانكا، المكسيك والإمارات.
وقالت المنظمة إن تقريرها يعتمد على تقارير منظمات حقوقية، لكنه لا يعتمد على معطيات من وزارة الأمن الإسرائيلية، لأن هذه الأخير ترفض اعتماد الشفافية في هذا السياق ورفضت توجهات أمنستي لها للحصول على معلومات.
ووجدت أمنستي أن جيش جنوب السودان يستخدم بنادق من طراز "غليل آيس" الإسرائيلية الصنع، وأضافت أنه "من دون توثيق البيع، ليس بالإمكان معرفة متى بيعت، وكم بيع، من قبل أي شركة سلاح وما إلى ذلك، وكل ما يمكننا قوله بشكل مؤكد هو أن بحوزة جيش جنوب السودان يوجد بنادق غليل إسرائيلية، فيما يٌفرض حظر بيع أسلحة دولي بقرار من مجلس الأمن الدولي على جنوب السودان بسبب عمليات التطهير العرقية وجرائم ضد البشرية واستخدام الاغتصاب كأداة حرب وجرائم حرب يرتكبها جيش جنوب السودان بحق مواطنيه".
وأكدت أمنستي أن قسم التصدير في وزارة الأمن الإسرائيلية صادق على بيع الأسلحة لجميع الدول الثماني. وزعمت رئيسة هذا القسم، راحيلي حين، في رسالة إلى أمنستي، أنه "لا يمكننا كشف ما إذا كنا نصدر إلى تلك الدولة لكننا نحرص على فحص حال حقوق الإنسان في أي دولة قبل المصادقة على تصريح تصدير أمني إليها". وشددت أمنستي على أن هذا الزعم لا ينسجم مع الواقع.
وذكرت أمنستي أن إسرائيل في المكان الثامن عالميا بين الدول المصدرة للأسلحة الثقيلة، وبين العامين 2014 – 2018 صدرت إسرائيل حوالي 3.1% من الصادرات الأمنية العالمية، وارتفعت خلالها صادراتها الأمنية بنسبة 60% قياسا بالأربع سنوات التي سبقتها، وزبائنها الثلاثة الأكبر هم الهند واذربيجان وفيتنام.
وفيما تشكل الصادرات الأمنية 10% من الصادرات الإسرائيلية، حسب وزارة الأمن الإسرائيلية، فإن أمنستي أشارت إلى أن "شركات أمنية إسرائيلية تصدر إلى حوالي 130 دولة". وشددت أمنستي على أن امتناع إسرائيل عن تصدير الأسلحة إلى الدول الثماني المذكورة لن يمس الصناعات الأمنية الإسرائيلية أو أرباحها.
ودعت أمنستي إسرائيل إلى التوقف عن بيع أسلحة إلى تلك الدول الثماني. لكن المسؤول في وزارة الأمن الإسرائيلية، قال إنه في السنوات الأخيرة نظرت المحكمة العليا الإسرائيلية في "ادعاءات" تقرير أمنستي، وبينها صفقة أسلحة مع جنوب السودان وكاميرون والمكسيك، لكن في كل واحدة من هذه الحالات وافقت المحكمة على موقف الدولة بالنظر في الالتماس بحضور طرف واحد، أي النيابة العامة التي تمثل الدولة، وأن القرارات تبقى سرية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها