لم يكن التأكيد عن دور حركة "حماس" في صفقة القرن مجرد أوهام، أو إسقاطات رغبوية وإرادوية، ولا هي تجني، ومن باب الإساءة، وتحميل الحركة أكثر ممَّا تحتمل، أو تصفية حساب شخصي مع جماعة الإخوان المسلمين، إنَّما هي الوقائع والحقائق التاريخية، وما حملته عملية التأسيس، والرعاية والدعم البريطانية الغربية الرأسمالية في عام 1928 لتنظيم الإخوان المسلمين ومرشدها الأول، حسن البنا، اليهودي المغربي الأصل، الذي أوكلت له مهمة تنفيذ المخطط الغربي الاستعماري في الوطن العربي، وكمكمل للحركة الصهيونية في تفتيت وتمزيق وحدة شعوب ودول الأمة العربية يعكس جوهر ولب الحقيقة، ويؤكّد أنَّ جماعة الإخوان ليست لديها علاقة بالإسلام، ولا بالمسلمين، ولا بالدين عمومًا، ولم يكن الدين أكثر من غطاء، وتضليل للشارع الفلسطيني والمصري والعربي والإسلامي عمومًا.

وبعيدا عن الخلفيات التاريخية، وبالعودة للشواهد التفصيلية المعمقة لخلفيات الجذور، يمكن العودة للاستشهاد بنتنياهو، رئيس الوزراء الفاسد، الذي أكد أمس الجمعة الموافق (5 نيسان/ أبريل 2019)، وعشية الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية في لقاء مع صحيفة "يسرائيل هيوم" على الآتي: أولا لن يعيد قطاع غزة للسلطة الوطنية، ولا لمحمود عباس؛ ثانيا تأبيد حكم حركة الانقلاب الحمساوية في دويلة غزة القزمية، لأنَّها مصلحة استراتيجية إسرائيلية؛ ثالثًا تأمين ما يلزم من الدعم المالي واللوجستي من خلال دولة قطر العربية.

وربط رئيس الوزراء الإسرائيلي ما تقدم بثلاثة محددات طلبها من الإدارة الأميركية لتمرير صفقة القرن، وهي: أولاً عدم إزالة أي مستعمرة من أراضي دولة فلسطين المحتلة 1967، وليس فقط الكتل الثلاث؛ ثانيا القدس موحدة تحت السيادة والسيطرة الاستعمارية الإسرائيلية؛ ثالثا سيطرة إسرائيلية كاملة على الضفة الفلسطينية، وليس على الأغوار الغربية فقط.

ومن يلاحظ ما تقدم، يجد التكامل التام بين تثبيت ركائز حكم الإخوان المسلمين في محافظات الجنوب، وإمدادهم بمقومات البقاء لاستمرار حكمهم، وبدعم إقليمي، الذي تلازم مع التفاهمات بين حركة الانقلاب الحمساوية ودولة إسرائيل بوساطة مصرية على التهدئة مقابل فتات من التسهيلات المتواضعة جدا، التي لا ترقى لما جاء في اتفاقيات أوسلو، والعمل في ذات الوقت، على تصفية المشروع الوطني، وتبديد ركائز الشخصية والهوية الوطنية، من خلال سحق السلطة الوطنية الهشة أصلا، والمرتبط كل منهما مع تمرير صفقة القرن الترامبية، التي تتوافق مع المشروع الاستراتيجي الصهيوني.

وبالنظر لما تقدم، وبسؤال القاصي والداني، واي مواطن فلسطيني أو عربي أو أممي عن فحوى ما أعلن عنه زعيم الائتلاف اليميني المتطرف الحاكم في إسرائيل، إن كان الاستنتاج مغايرا لما حمله الموقف المعلن، أو فيه تحامل ومبالغة، أو تحريف في النص ومبتغاه الاستعماري التصفوي. لا اعتقد أنَّ هناك إنسانا ما، يسمع ويقرأ نتنياهو، أو حتى استمع لتصريح إسماعيل هنية قبل يومين أثناء لقائه مع الإعلاميين والكتاب الفلسطينيين في غزة عن التفاهمات، وعن خطأ إطلاق الصواريخ، وعن الإمارة، وإن رفض الإقرار بالتساوق مع صفقة القرن، يمكنه أن يدعي، أن هناك قلبا للحقائق، أو تجنيا على كلا الطرفين الإسرائيلي والإخواني الانقلابي في قطاع غزة، لأنّ الوقائع تشير إلى ذات الهدف، الذي تلعبه حركة "حماس" الإخوانية ودولة الاستعمار الإسرائيلية.

ولكن ومن موقع الإدراك العميق لنبض الشارع الفلسطيني، ولمواقف القيادة الشرعية الفلسطينية برئاسة الرئيس عباس، يمكنني الجزم، أنّ محددات نتنياهو، وخياره في تكريس الانفصال بين جناحي الوطن، وترامب وصفقة قرنه المشؤومة لن يمر شيء منها مهما كلف ذلك من ثمن، وأيًّا كان حجم التضحيات، التي سيقدمها الشعب العربي الفلسطيني في كل أماكن وجوده، وقادم الأيام كفيل بالرد على متاهات معسكر الأعداء الإسرائيلي والإخواني والأميركي ومن لف لفهم من العرب والعجم.