الصراع المفتوح القائم في العالم هذه الأيام من شرقه إلى غربه، من شماله إلى جنوبه يكاد يجمعه عنوان واحد، اسمه تغيّر النظام الدولي، القوانين التي تحكمه، القوى التي تضبطه، معايير القوة ومعايير الضعف، والأوصاف التي تطلق على هذا الصراع المفتوح مثل محاربة الإرهاب، حقوق الإنسان وحدود هذه الحقوق، والقوى المرشحة لتكون هي المرجعيات في إدارة هذا الصراع وتقرير النتائج، وعند الوصول إلى هذه النقطة ينتصب أمامنا السؤال الكبير، أين هو مكان الأمة العربية؟ وما هو حجم الدور الذي تلعبه في إدارة هذا الصراع وتقرير النتائج؟؟؟
عند الوصول إلى هذه المسافة من الحوار، سنجد أن الإجابة عن هذا السؤال في غالبيتها الساحقة ستكون متشائمة ومأساوية إلى حد بعيد، وغالباً ما تكون الإجابة أن الأمة العربية ممثلة بكياناتها من الجزائر غرباً وحتى الجنوب شرقاً، هي أمة بلا دور، مستهلكة لأدوار الآخرين، وخاصة الأمم الأخرى الكبرى، التي تبحث عن أسباب القوة، والتي تنتج كل العوامل التي تصل بها إلى مستويات القوة، أي أن يكون لها دور في حياة هذا العالم الذي ننتمي إليه، وأنه لا أحد على الإطلاق في هذا العالم يمكن أن ينتظر الضعفاء، أو يعطيهم شيئاً لا يستحقونه بفعل أيديهم، وأن من يصل إلى أي مستوى من مستويات القوة يعبر عن ذاته بأبشع الأشكال التي تصل إلى حد الفجور، ومثالنا على ذلك هو إسرائيل وحلفاؤها وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية في عهد دونالد ترامب الذي لا يريد أن يكون لأميركا شريك، وبالتالي لا يريد لحلفائه وأبرزهم إسرائيل أن يكون لهم شريك في طريقة إدارتهم للصراع، وفي النتائج التي يؤدي إليها هذا الصراع، خذوا أمثلة صارخة على ذلك، إسرائيل تقول إنها ليست دولة احتلال، وأن اليهود عادوا إلى بلاد هي لهم في الأساس، وأنهم غابوا عنها فقط ألفي سنة، وأن من كانوا يعيشون في هذه الأرض قبلهم، أو معهم، أو بدونهم عندما غابوا لا حق لهم بالرجوع، بل إن إسرائيل تقول على أرض أخرى مثل الجولان لا ترتبط معهم بأي شيء حتى بمقاييس الخرافة إنها لازمة لهم، وأن التنافس الانتخابي القائم حالياً في فترة الانتخابات التي ستجري خلال أيام بين نتنياهو على رأس الليكود، وبني غانتس على رأس أزرق وأبيض، هي في الحقيقة تجري بين تجمعين انتخابيين لا يعرف أحد ما هو الفرق بينهما، حزب أزرق أبيض أي ألوان العلم الإسرائيلي، معناها "من الفرات إلى النيل أرضك يا إسرائيل" وبين الليكود الذي صاغ وأنجز قانون القومية الأخير، بآن الآخرين، الأغيار، لا شيء لهم، ولا حصانة لهم على الإطلاق. وأن حليفهم دونالد ترامب الذي ينقض على النظام الدولي كله، يقول بصريح العبارة إنه لا يعترف ولن يتعامل مع المعايير القديمة، يعتبر القرارات الدولية التي تعترف بحقوقنا، مثل القدس أو الجولان أو أن العرب..... الخ.
أمام هذه الصورة المكثفة، يأتي رد الفعل العربي هارباً من الحقائق، وأكبر مثال هي الغارات التي تشنها بعض الدول العربية لصالح التطبيع، وهي غارات تستهدف المبادرة العربية ولا شيء آخر، وهذه الغارات التي يشنها بعض العرب من أجل التطبيع مع إسرائيل لها ألف شكل ولون، رياضية و فنية، وثقافية، ودبلوماسية...الخ.
مع أن هؤلاء العرب يذكرون في حرب تشرين عام 1973 التي كان الإسرائيليون قبلها مباشرة يدعون أن حدودهم ترسمها جنازير دباباتهم قد تعرضوا إلى هزيمة ساحقة ومذلة وشنيعة حتى أن الذي انبرى ليتحدث باسمهم ونيابة عنهم هم الأميركيون بعد أن انهارت دفاعاتهم النفسية والمادية، وخرجت كل خرافاتهم من أرض المعركة.
ماذا نفعل الآن؟؟هل نستعيد دورنا لصالحنا، لصالح وجودنا، لصالح ثوابتنا، أم تستمر اللعبة على حالها؟
كل طرف عربي يفاخر بأنه الأشطر في حماية نفسه بعيداً عن الأمة كلها، وأكبر مثال على ذلك أنه في القمة العربية الأخيرة في تونس كان هناك قرار مصاغ بشكل جيد لصالح الجولان السوري، ولكن سوريا العربية قلب الأمة العربية لم يتوافق العرب على حضورها القمة؟؟ أما عن القدس، فحدث ولا حرج، دونالد ترامب يهديها لإسرائيل، فتزداد محاولات إرضاء ترامب، وتزداد محاولات التطبيع مع إسرائيل!!!
الوجود العربي والدور العربي يتعرض لاختبار خارق، التوازن العربي القائم لا يكفي لشروط الصراع، لابد من توازن جديد، ومعايير جديدة لتكتسب شرف استمرار الحياة الكريمة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها