أن تصمت "حماس" عن تصريحات نتنياهو التي كشف فيها، وبعبارات الغطرسة ذاتها، بأنّه هو وبالمعنى الصريح، مَن بات يتحكَّم بقطاع غزة (...!!) لصالح استراتيجيته التي تحارب وعلى نحو عنصري محموم، تطلعات شعبنا الفلسطيني في الحرية والاستقلال، أن تصمت "حماس" عن هذه التصريحات العدوانية، فهذا يعني أنّها سلَّمت بولاية نتنياهو على القطاع المكلوم، وأنَّها باتت ترضى به حاكمًا له ما يريد أن يقرّر، وعليها الالتزام والطاعة والتنفيذ!!!

ولم تصمت "حماس" عن هذه التصريحات لأنّها تخشى الرد عليها، والذي قد يهدِّد تفاهماتها مع (إسرائيل)، وإنَّما صمتت بغاية ما تريد من تعميد لها، بكونها ردًّا إيجابيًّا (!!!) على ما تريد من هذه التفاهمات، وبوسع أيٍّ كان أن يرى هذا التعميد الذي يلامس الخيانة العظمى، في خطبة رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" إسماعيل هنية من على منبر صلاة الجمعة الماضية، التي أعلن فيها أنَّ حركته "حصلت على إجابات إيجابية من (إسرائيل)"!! أيّة إجابات إيجابية هذه يا ترى، إن لم تكن هي تصريحات نتنياهو هذه، التي كشف فيها عن طبيعة وحقيقة "تفاهمات التهدئة" وأهدافها، بوصفها "تفاهمات" السعادة لنتنياهو، كونها تقود وفقًا لاستراتيجيته، إلى استيطان أكثر وأوسع، وإلى تكريس كيانين منفصلين في الضفة والقطاع، كي يصبح بالإمكان منع قيام دولة فلسطين من رفح إلى جنين بعاصمتها القدس الشرقية!!

هكذا إذًا تبصم "حماس" على تصريحات نتنياهو، تبصم لا بصمت التعميد فقط، وإنَّما بالخديعة التي تحاول أن تصوّر التفاهمات، بأنّها تفاهمات الحل الإيجابي (...!!) من حيث أنّ ردود (إسرائيل) في هذا الإطار هي ردود إيجابية، وفق ما أعلن هنية!!

لم تُضيّع "حماس" الفرصة على حالها لتعود إلى رشدها، لمَن يظن أنّها لم تلتقط هذه الفرصة بالرد على نتنياهو، إنها بقصدية امتثالها لمشروع الإمارة، واستعدادها لخدمة صفقة ترامب الفاسدة، صمتت عن تصريحات نتنياهو لتعمّدها بتصريحات الخديعة عن الردود الإيجابية!! ولو كانت "حماس" ذات رشد وطني بأقل قيمه ومعاييره، لوقف هنية على منبر الصلاة، ليرد على نتنياهو بإعلان إنهاء الانقسام، ولكنّه فعل العكس تمامًا حين ألمح أنّها الردود الإيجابية على "تفاهمات" جماعته مع (إسرائيل)!!

ويظلُّ السؤال للذين ما زالوا يعتقدون أنّ "حماس" يمكن لها أن تنهي الانقسام بالحوار، وأن تعود راشدة إلى الشرعية الفلسطينية، ونظامها السياسي، وأن تمتثل لضرورات الوحدة الوطنية بشروطها الوطنية الجامعة، السؤال لكل هؤلاء، هل ما زال الحوار ممكنًا حقًّا مع "حماس" بعد تفاهمات "السعادة الإسرائيلية" التي توغّلت فيها هذه الحركة الإخوانية إلى هذا الحد الذي عمّدت فيه تصريحات نتنياهو؟؟

هذا سؤال الوطنية الفلسطينية، ولا بد من الإجابة بالموقف الوطني المسؤول الذي يضع حدًّا لتماهي "حماس" مع صفقة ترامب الصهيونية وحدًّا لتلاعبها بمصير قطاع غزّة المكلوم، وهي تقدّمه اليوم تحت سلطة نتنياهو، وغير هذا الجواب لن يكون غير التواطؤ مع امتثال "حماس" المُذِل لتفاهمات "سعادة" نتنياهو، والأخطر التماهي مع مخططاته الاستراتيجية التي لا تريد لفلسطين وشعبها أية قيامة في فضاء الحُرّية والاستقلال، وحينها سنعرف ماذا سيكتب التاريخ.