يفرح المرء بالهديّة سواء كان طفلًا أو شابًّا أو شيخًا، ذكرًا أو أنثى، فقيرًا أو غنيًّا، وقد سمعت امرأة عجوزًا قرويّة تقول: "غنيّة وبحبّ الهديّة". وقد تكون الهدية بسيطة رمزيّة تحمل في ثناياها رسالة موّدة أو عبارة تقدير، كأنّ يهدي المرء أمّه أو ابنته أو صديقه باقة ورد أو كتابًا أو قلمًا عاديًّا بينما الهديّة الثّمينة تفتحُ بابًا للرّشوة وبوّابة للفساد، فابن آدم لا يعطيك نعجته إلّا ليأخذ منك الثّور أو الجمل كما قال الشّاعر المهجريّ الياس فرحات.

ما زلتُ أذكر الأبيات الشّعريّة التي حفظتها في طفولتي وتروي أسطورة الهدهد الذي قدّم جرادةً هديّةً لسليمان وقال معتذرًا: "إنّ الهدايا على مقدار مهديها" ثمّ أضاف: "لو كان يُهدى للإنسان قيمته لأهديتُ الدّنيا وما فيها" فليس غريبًا أن يرى البلبل سليمان عظيمًا ولكنّ الغريب أن يعده بأن يهديه ما لا يملكه.

ولا شكّ أنّ الهديّة تمتّن العلاقة وتنمّي المحبّة بين البنين والبنات والآباء والأمّهات، وبين الأخوة والأخوات، وبين الأصدقاء وذوي القربى، وبين العشّاق، وبين الذين تربطهم علاقات إنسانيّة ولكنّها وسيلة تملّق ورسالة نفاق وبطاقة رشوة عندما تكون ثمينة مقدّمة لشخصيّة مسؤولة أو من الباب العالي.

عرفت وجيهًا في إحدى بلداتنا يحبّ السُبحات (المسابح) ويجمعها ولكنّه لا يشتريها وقد احتوت خزانته على عشرات السّبحات التي تثمّن الواحدة منها بآلاف الدّولارات، وقرأت في الصّحافة عن شخصيّة رسميّة تحبّ الأقلام الثّمينة فجاءتها الهدايا أقلامًا، قيمة القلم الواحد عشرات آلاف الدّولارات بل مئات الألوف.

وأمّا رئيس حكومة إسرائيل الحالي بنيامين نتنياهو فهو مغرم بالهدايا وضعيف أمامها فأغدق عليه رجال المال والأعمال زجاجات الشّمبانيا الثّمينة وعلب السّيجار الفاخر والبذلات الغالية والتّمتّع في الأجنحة الفاخرة في الفنادق الممتازة، ويبدو أنّ الرّئيس الأميركيّ دونالد ترامب وهو رئيس ذكيّ جدًّا، وحكيم جدًّا، ومتّزن جدًّا، وخفيف الظّل جدًّا عرف نقطة ضعف نتنياهو أي حبّه للهدايا فدعاه إلى البيت الأبيض وأهداه هضبة الجولان السّورية بما فيها من جبال وسهول ووديان وأنهار وأشجار وأزهار وفواكه وخضار وحيوانات بريّة وطيور وغزلان ونسور، ووقّع على وثيقة الإهداء بطريقته الخاصّة الرّصينة النّادرة أي أنّه أهدى ما لا يملكه لمن لا يستحقه قانونيًّا لتكون الهديّة عونًا لصديقه في المعركة الانتخابيّة فالصّديق وقت الضّيق.

هاتفني كاتب إسرائيليّ كبير وسألني: ما الذي يجمع نتنياهو وترامب؟

لُذتُ بالصّمت محتارًا.

أرجوكم... ساعدوني على الإجابة.