تربط الشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية بالقيادة الروسية تاريخيًّا علاقات صداقة عميقة. ويعتبر الاتحاد السوفييتي السابق المنهار مطلع التسعينيات من القرن الماضي، وروسيا الاتحادية حلفاء مهمين، رغم التحولات الدراماتيكية في مركبات الدولة السوفييتية والنظام السياسي، والعودة من النظام الاشتراكي (الشيوعي) إلى النظام الرأسمالي السابق قبل الثورة البلشفية عام 1917، ومع ذلك بقيت أواصر الصداقة مع الروس قائمة، خاصة أنّ الاتحاد الروسي يعتبر من الداعمين للحقوق الوطنية الفلسطينية. ولهذا تعول قيادة منظمة التحرير على الدور الروسي في بناء ركائز سلام عادل وممكن ومقبول وفق قرارات الشرعية الدولية ومرجعيات عملية السلام.
ولا يمكن قراءة العلاقات الروسية الفلسطينية خارج دائرة المصالح المتبادلة بين الشعبين والقيادتين والبلدين. فروسيا الاتحادية قطب مركزي في العالم، لا يمكن لأي قوة أن تنكر هذه الحقيقة. والشعب الفلسطيني وقيادته يعيان ذلك جيدًا جدًا، ويحرصان على استمرار الروابط والعلاقات مع القيادات الروسية بمستوياتها المختلفة والمتعاقبة، كما يسعيان ليتبوّأ الروس دورًا أكبر في صناعة السلام، ليس من زاوية علاقاتهم الدبلوماسية الشكلية مع الدول الشقيقة، إنّما من زاوية مصالحهم الاستراتيجية في صراعهم مع الأقطاب الأخرى على تقاسم النفوذ في دول العالم، وحرصهم على حماية خاصرتهم الجنوبية، التي تتربّع فيها دول العالم العربي، بالإضافة لما تمثّله هذه الدول من سوق وثروات ومحور رحى في الصراع مع الغرب الرأسمالي، وأيضًا من خلال يدهم الطولى في دولة الاستعمار الإسرائيلية عبر وجود نحو مليون ونصف المليون روسي فيها، وعلاقاتها المتنامية والمتطورة مع الدولة المارقة والخارجة على القانون على المستويات المختلفة بما فيها الأمنية والعسكرية، وحرص القيادة الروسية على إبقاء العلاقات مع (إسرائيل) دافئة، رغم أنّ (إسرائيل) تناصب الروس عدم الوفاء، لأنها الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة، وما علاقاتها معهم إلا للاعتبارات النفعية المحضة، إلا أنّ ذلك لم يغير من المعادلة السياسية الروسية وحساباتها الخاصة، ووفقا لمصالحها. ولهذا غفرت القيادة الروسية الجريمة الإسرائيلية بإسقاط الطائرة الروسية في تشرين الثاني 2017، وتسمح للطيران الإسرائيلي باختراق الأجواء السورية، وقصف المواقع العسكرية دون ضوابط، وعدم تفعيل بطاريات الصواريخ إس 300، وساعدتها بالبحث عن الجنود الإسرائيليين المفقودين في اجتياح لبنان عام 1982، وتمكنت أخيرا من إعادة رفات الجندي الإسرائيلي زخاريا (زكريا) من خلال مراسم عسكرية مبالغ فيها يوم الخميس الماضي الموافق الرابع من نيسان الحالي (2019)، ووعدت بالبحث عن الجنديين الآخرين في منطقة الحدود اللبنانية السورية وخاصة منطقة السلطان يعقوب، التي احتدمت فيها المعركة بالسلاح الأبيض بين الجيشين السوري والإسرائيلي، وتمت السيطرة على إحدى الدبابات الإسرائيلية وعلى متنها ثلاثة جنود، منهم زخاريا.
وبعيدًا عن الملاحظات، التي واكبت هذه العملية، التي حملت في ثناياها الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام، بدءًا من السماح للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بالبحث عن رفات الجنود المفقودين طيلة عامين في الأرض العربية، وبالرعاية والحماية الروسية، والوقت، الذي أعلنت فيه القيادتان عن رفات الجندي الصهيوني، وما حملته زيارة نتنياهو عشية الانتخابات، والثمن المقابل، فلعلّنا ندعو الرئيس بوتين ومعه القيادات الروسية بما لها من تأثير ما على القيادة الإسرائيلية، بأن تطلب إلى الأخيرة الإفراج الفوري عن الشهداء الفلسطينيين من مقابر الأرقام، والإفراج عن أسرى الحرية من النساء والأطفال والمرضى عمومًا والشيوخ منهم بشكل خاص، حتى يكون موقفها متوازنًا نسبيًّا. فضلاً عن الضغط على حكومة نتنياهو أو أية حكومة جديدة بعد الانتخابات القادمة في التاسع من نيسان الحالي للالتزام بمبادئ ومرجعيات عملية السلام، وتثبيت ركائز خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967.
روسيا الاتحادية بثقلها ووزنها السياسي والعسكري والاقتصادي، وحضورها في (إسرائيل) القوي تستطيع أن تفعل الكثير من أجل الشعب الفلسطيني، وبناء ركائز السلام الممكن والمقبول. وأعتقد أنَّ الرئيس بوتين يستطيع إنجاز أكثر من خطوة إيجابية على صعيد ما تقدم، إن شاء مع أركان قيادته الروسية، ارتباطًا بتشابك المصالح بينه وبين (إسرائيل) على أكثر من مستوى وصعيد. فهل يستجيب لندائنا المشروع والمستند للقانون الدولي، ومرجعيات عملية السلام؟
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها