"لن أُسلِّم غزّة لعبّاس"، هكذا كافأ رئيس حكومة دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو "حماس" بما لا يملك ولا يستطيع أن يملك، بعد تقديمها بُرهانَ (السترات البرتقالية) على الملأ وعلى الهواء مباشرة، والتعري بلا حرج أمام جمهور بقي مخدوعًا بمقولات وكلام مشايخ "حماس" عن الجهاد والمقاومة!!

نتنياهو قطع على نفسه عهدًا بإبقاء قطاع غزة تحت سيطرة "حماس" ما دام عسكرها ومشايخها وأمراؤها ملتزمين بأداء واجباتهم كطرف ثالث منفِّذ لخطة صفقة ترامب الأميركية.

كشف نتنياهو المستور، وقرَّر أخذ خطوة مماثلة عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية أيضًا، فكافأ مشايخ وأُمراء "حماس" على انصياعهم وخضوعهم للشروط الإسرائيلية، وانضباطهم الدقيق وحرصهم الشديد على تطبيقها.. وما كان له أن يفعل ذلك، لولا تأييد أو تفهّم من حاخامات المستوطنين ورؤساء مجالس المستوطنات، فنتنياهو لم يغفل أنّه في خضم اللحظات الأخيرة قبل دخوله معركة صناديق الانتخابات الإسرائيلية العامة، وهو الأحرص على نيل أصوات المستوطنين قبل غيرهم، فبدا كالواثق الضامن لجهة أصواتهم، فالمستوطنون الإرهابيون معنيون ببقاء الأسباب التي تحول دون قيام دولة فلسطينية وعلى رأسها بقاء سيطرة "حماس" على غزّة– رغم مظاهر الإرباك وغيرها- لأنّ هذا الأمر أهون عليهم من عودة غزة إلى الشرعية الفلسطينية، وسحب ذريعة الانقسام الفلسطيني من يد حكومتهم في تل أبيب التي يُشهِرونها أمام العالم لتبرير مواقفهم الرافضة لقيام دولة فلسطينية مستقلة، والأهم أنَّ المستوطنين في الضفة وغزة (كدولة ظل) ناشئة وقائمة في دولة الاحتلال (إسرائيل) يعتقدون أنّهم سيدفعون ثمنًا باهظًا إذا تحوّل العالم وأخذ يدفع عمليًّا باتجاه قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة وغزة القدس الشرقية عاصمتها بعد عودة غزة للشرعية الفلسطينية عبر مصالحة أو تحت ضغط هبّة شعبية- أحد نماذجها حراك (بدنا نعيش)- لهذا كلّه فإنّهم مقتنعون أو سيقتنعون على الأقل بعهد نتنياهو الجديد لمشايخ "حماس" بأن تبقى غزة تحت سيطرتهم، فالعلاقة العضوية بين (الإخوان اليهود) و(الإخوان المتأسلمين) تظهر علانية وبدون حرج في المحن والأزمات والشدائد!

يعلم نتنياهو أنّ الرئيس أبو مازن كرئيس للشعب الفلسطيني وقائد حركة تحرّره الوطنية يناضل من أجل قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران من العام 1967 وعاصمتها القدس، وأنّه يرفض قيام دولة بدون غزة أو دولة في غزة فقط. فأبو مازن كرئيس للشعب الفلسطيني لن يسلم غزة لحماس والاحتلال، ولن يستسلم وسيبقى يناضل لاستعادتها باعتبارها جزءًا لا يتجزّأ من الوطن ولا بد منها لتجسيد المشروع الوطني.

نحن والرئيس أبو مازن نعتقد بأنَّ دولة نتنياهو الاحتلالية الاستيطانية العنصرية (إسرائيل) كانت وما تزال العقل المدبّر لملؤامرة والمساند لانقلاب "حماس" على المشروع الوطني الفلسطيني، وعلى منظمة التحرير والسلطة الوطنية، وأن تحويل الانقلاب إلى واقع انقسام وانفصال ما كان ليتم لولا (اللعبة) التي اتقنها الطرفان بمساعدة (مراكز قوى) داخلية كجماعة دحلان، وخطط الدعم والإنعاش التي ساهمت بها دول ومشيخات في الإقليم، وأنهم جميعًا قد التقوا على هدف فصل غزة لمنع قيام دولة فلسطينية، أما استعادة الشرعية الفلسطينية لغزة أو العودة إليها على متن دبابة الاحتلال فإنّ نتنياهو أول واحد في هذا العالم والأكثر علمًا بأنّ فلسطينيًّا وطنيًّا لن يقبل هذا الأمر، لأن حقائق وبينات المؤامرة باتت أوضح من أي وقت مضى، فنتنياهو- باعتباره وريث عقل ومخطط أريئيل شارون ورئاسته لحزب الليكود- ومعه مشايخ وأمراء الإخوان المسلمين - فرع فلسطين المسمَّى "حماس" مُتّفقان على منع قيام دولة فلسطينية حتى لو كان ثمن ذلك احتلالاً إسرائيليًّا جديدًا لغزة، ولكن ليس كاحتلالها السابق من حيث التفاصيل، أو استدراج حروب جديدة على غزة تمكّن "حماس" من إبقاء سيطرتها على القطاع ولكن بعد توجيه ضربات مدمّرة لتيار معارض بدأ ينمو في داخلها، وكذلك لحركة الجهاد الإسلامي وجماعات أخرى، باتت تدرك مدى استعداد أمراء "حماس" لفعل أي أمر من أجل ضمان سيطرتهم (كسلطة حمساوية إخوانية) على قطاع غزة.. حتى لو هبط هذا الأمر إل مستوى التفريط والتساوق العلني مع صفقة القرن الأميركية.

الرئيس أبو مازن يناضل على رأس الشعب الفلسطيني لتحقيق جلاء سلطة الاحتلال الإسرائيلي عن كل شبر من أرض دولة فلسطين المعترف بها في القرار الأممي 19/67 في العام 2012، أي الانسحاب من القدس الشرقية وغزة والضفة.. ومن يناضل ضد سلطة احتلال استعمارية عنصرية، من البديهي أن تمنعه سلطتا الاحتلال والانقلاب من تحقيق الوحدة الوطنية باعتبارها السلاح الأقوى القادر على مواجهة قوة وأسلحة دولة الاحتلال الفولاذية النارية.