قد يبدو هذا العنوان مُفاجِئًا أو غريبًا، لكنَّ الحقيقة أنَّ المعركة التي يخوضها الشعب الفلسطيني بقيادة رأس شرعيته الفلسطينية الرئيس أبو مازن ضد دونالد ترامب هي معركة حامية الوطيس – استخدم فيها ترامب كل قواه بشكل مُذِل لأميركا – لأنَّه أخرجها من دورها التقليدي الذي كانت تعتمد عليه لعشرات السنوات، وهو دور الوسيط، وتحوَّلت على يد ترامب إلى دور الانحياز المكشوف والمفضوح دون مبرِّر سوى الهوس الذي أصاب هذا الرجل الذي ليس له أية خلفيات ثقافية أو سياسية سوى الجرأة على الكذب دون جدوى، حتى أنَّني أعتقد شخصيًّا أنَّ مشكلة ترامب تكمن في أنَّه لا يعرف أنّه يكذب، وأنّه يصدق الوصف الذي أطلقه عليه بارني سانداز المرشح الرئاسي الأميركي بأنه "مريض بالكذب"، وأنّه في هذا السياق استخدم الفاسد الواقف على حافة السقوط بنيامين نتنياهو رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث كل واحد من الرجلين يعتقد أنّه يستخدم الآخر في معركة البقاء ليس إلّا. واستخدم هؤلاء الباهتين في إدارته الذين يمكن أن يشطبهم بتغريدة واحدة من تغريداته المجنونة، واستخدم ضد الشعب الفلسطيني وقيادته المشروعة كل ما في جعبته من الشرور، منذ إعلان القدس الذي هو من نوع وعد بلفور المشؤوم، واستخدم كل التزامات أميركا وكل مساعداتها بما فيها المساعدات المقدمة لمستشفيات القدس، وشنَّ هجومًا قاتلاً ضدَّ وكالة "الأونروا" التي هي العمق الدولي لقضية اللاجئين، بل إنّه شنّ هجومًا رهيبًا ضدهم بالقول إنّ عددهم لا يتجاوز أربعين ألفًا، وحاول استخدام الجمعية العامة ومجلس الأمن فباء بالفشل والعار، حيث صعدت فلسطين بمشروعها ومنطقها وثباتها الخارق ومصداقيتها العالية. ووصل به الأمر إلى التخفيض الدبلوماسي في التعامل مع فلسطين بعد أن نقل سفارته إلى (إسرائيل)، وجعل مساعديه الأبرز مثل صهره جاريد كوشنر ومستشاره جيسون غرينبلات يعملون كفريق دعاية رخيص لصالح نتنياهو وخاصة حول التطبيع، وبعض من سقطوا بالمجان في هذه اللعبة القذرة، ولكنَّ فشل ترامب أمام القيادة الشرعية الفلسطينية وشعبها البطل إنَّما هو جزء من سياق عاد من الفشل الأميركي المهين في قضايا عالمية أخرى سواء تلك التي يعانيها ترامب داخل أميركا مثل فشله أمام كوهين وغرقه الحالي بأنه أمام العدالة في بلاده، وأنه عنصري ومحتال.

وتحقيقات سولر التي تفتح حوله أبواب الجحيم، أو القضايا العالمية مثل القمّة الفاشلة والصادمة له مع الرئيس الكوري الشمالي في هانوي- أو تراجعه عن النغمة التي كان يستخدمها حين صعد الحرب التجارية مع الصين، أو حين وجد نفسه عاجزًا بلا دور في سوريا، أو متورّطًا ومكشوفا في فنزويلا.

سقوط ترامب، وفشل مقدّراته في فلسطين هو جزءٌ من سياق عام للفشل العالمي، وهذا هو الوعي العميق والمتحيّز الذي ميّز القيادة الشرعية الفلسطينية برئاسة أبو مازن، إنَّ موقفه هو في صلب السياق العالمي ضد ترامب الذي لا يزال لا يعرف أنَّ عالمه الوهمي لم يعد موجودًا، العالم تغيّر، حلم القطب الواحد سقط وشبع سقوطًا، ولكن ترامب المريض بالكذب أكاذيبه تمنع عنه الرؤية الحقيقية، وليس بعيدًا ذلك اليوم الذي نرى فيه ترامب نتنياهو يتلاومان ويتبادلان التهم كل منها خدع الآخر إلى حد السقوط.