قد يندم الذين قفزوا من المركب بطوافات الشك والريبة، ومآثم الظن إن لم يكن على صخر المصالح الحزبية الخاصة المسنّن!! وقد يتمنّى بعضهم إعادة عقارب الوقت إلى الوراء والوقوف عند لحظة ارتكاب الخطيئة السياسية معاهدًا ألا يفعلها ثانية، ولا ندري إن كان بعض القافزين سيمتلك القوة والشجاعة في وجه أصحاب الأجندات الإقليمية بقولة حق "لقد خدعتمونا"!
لا الأسباب قاهرة، ولا المبررات مقنعة، وعلى كل من يعتقد بانتمائه والتزامه الوطني مراجعة دوافع غيابه وتخليه عن مسؤولياته ومهامه في المساهمة بتشكيل هذه اللحظة الأهم من تاريخ الشعب الفلسطيني المعاصر.
شرح الرئيس أبو مازن بخطاب افتتاح الدورة الثلاثين للمجلس المركزي الفلسطيني أول أمس أبعاد معنى العضوية في المجلس الوطني، وجوهر المهمة الوطنية في هذا الاطار أو في أي اطار قيادي، وكلامه في هذا الشأن علامة حمراء فاصلة بين التكليف والتشريف.
نتابع عن كثب منهج عمل الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني منظمة التحرير الفلسطينية، ونعتبر ديمومة الحركة والحيوية والتطوير والإبداع في الرؤى والأفكار والمواقف في أُطرها القيادية وثباتها على مبادئها وأهداف الشعب الفلسطيني وطموحاته جوهر كيانها كوطن معنوي، وروح وجودها ولأننا كفلسطينيين أعضاء طبيعيين فيها فإننا نعتقد بضرورة تعديل النظم واللوائح الأساسية المنظمة لعمل هذه الأطر بما يضمن حيوية منظمة التحرير الفلسطينية وأُطرها القيادية، والأهم إعادة الاعتبار والمكانة لمهمة العضو في إطارها القيادي.
ما كانت الأُطر القيادية لمنظمة التحرير الفلسطينية ولن تكون مجرّد نادٍ أو منتدى، ولن نقبل كمناضلين ورأي عام فلسطيني بأن يتم التعامل مع هذه الأُطر بغير عقلية قيادية خالصة، خالية من الانفعالات والمكاسب الفئوية والشخصانية، عقلية يدرك صاحبها أن تكليف فصيل أو جبهة أو حركة أو شريحة من الشعب الفلسطيني له بهذه المهمة يعني أنّه مؤتمن على خوض غمار مصاعبها أيًّا كانت، وأنّه ليس مسموحًا له الانسحاب مطلقا من معركة تاريخية مصيرية كالتي تخوضها قيادة الشعب الفلسطيني عبر ممثله الشرعي والوحيد منظمة التحرير.
يجب وضع ضوابط تنظيمية حاسمة تكافح المزاجية، والأهواء السياسية، وعبثية المواقف، ذلك أنّ ميدان الاختلاف في الرأي والتباين في الرؤى والسياسات أعظم من قدرة واحد على تحديده.. لكن التشكيك، ووضع العراقيل، وتصدير الإحباط، والبلوغ إلى الذروة بإطلاق التخوين خطوط حمراء، نعتقد بوجوب محاسبة بالغها والمجازف للوصول إليها، أو فاعلها عن سابق تصميم وترصد، أو على سبيل خدمة أجندات إقليمية، أو فئوية أو جهوية أو ارتباطات بسياسات خارجية لا صلة لها بالقرار الوطني المستقل.
حق للشعب الفلسطيني رؤية تنوع وتعددية سياسية في أطره القيادية، وهذا تعبير خالص حقيقي عن قيمه الأخلاقية المدنية والحضارية، ومدى إيمانه بمنهج الديمقراطية كمدرسة للحياة السياسية، ومن حقه أيضًا رؤية التنافس بين القوى الوطنية حول رفع مصالحة العليا فوق كل اعتبار، ومن حقه أيضًا رؤية الحوار والنقاش المنطقي والعلمي كمبدأ ناظم وقاعدة وأرضية ترفع عليها إقرارات المصيرية، فنحن اصحاب تجربة ثرية، ولا يجوز السماح لأحد بأخذ الشعب من مربع الدولة التي تعني الحرية والتحرر والاستقلال والسيادة إلى مربع الجماعة التي تعني الضمور ثم الاضمحلال ثم الجفاف هذا اذا لم تنهشنا نيران مفاهيمه الظلامية.
للشعب معايير، وأحكام، وعليه فإنّه لن يحسب المتخلف عن معركة تاريخية قد تحدد مصير ومستقبل القضية الفلسطينية كالمتقدم في خندق المواجهة مع مشاريع تصفية القضية، وضرب المشروع الوطني، فالأول بالنسبة للشعب لن يكون في سجل الوطنيين حتى لو ردَّد مليون كلمة ومصطلح في الوطنية كل يوم، فما بالنا بالعاملين على شق الوطن طولا وعرضا، ويسيرون بعملية الفصل والانفصال ظنًّا منهم ان الفرصة مواتية لتحقيق أهدافهم الفئوية، أمّا الآخر المتقدِّم بثبات وحكمة وصبر وعزيمة وإرادة وشجاعة وعقلانية وواقعية، فإنَّه في تقييم الشعب وطني بامتياز.. وعلى الجميع ألا ينسى أن الشعب هو المدرسة الفريدة القادرة على منح هذه الشهادات، فطوبى لمن آمن بذاكرة الشعب اللامحدودة، فحاز على شهادة الوفاء لقَسَم الإخلاص للوطن.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها