بات من شبه المؤكد أن كلا من حكومة إسرائيل الاستعمارية وقيادة حركة حماس قد وافقتا على مشروع الهدنة واستحقاقاته الأمنية والنفعية الاقتصادية والإنسانية. وهي في كل الأحوال استحضار لروح الهدنات السابقة، التي تبقي فيه حركة الانقلاب اليد الطولى لدولة إسرائيل المارقة في التقرير بما يجوز وما لا يجوز وفق أجندتها الأمنية وساعة تشاء دون أية ضوابط، ولسنوات تصل لخمسة عشر عاما، وتقبل وكيلة النفاق السياسي باعتبار "المقاومة" أعمال عدائية، مقابل فتات التخفيف من الحصار الظالم، وتمديد عمر الانقلاب وتسيد حركة حماس على محافظات الجنوب، واعتمادها عنوانا من عناوين صفقة القرن، لا سيما وأن مشروع الدويلة الفلسطينية سيكون في قطاع غزة.... إلخ.
لا يهم هنا عرض التفاصيل المتعلقة بالهدنة، لأنها باتت متداولة ومعروفة للرأي العام الفلسطيني والإسرائيلي والعربي والعالمي، ولا يهم ما أعلنه عصر أمس حسام بدران، عضو المكتب السياسي مع ممثلي الفصائل، حيث بدا وكأن حركته حريصة على عقد هدنة دون تجاهل الفصائل الفلسطينية، أو تغييب الضفة، ولكن ما هي معايير ذلك؟ وهل الجلوس مع الفصائل وإبلاغهم بعض ما تم الاتفاق عليه، أو إدراج الضفة في رزمة ما تم الاتفاق عليه، وكأنها شكل من أشكال رفع العتب، الأهم من ذلك، من هي الجهة، التي ستوقع على الهدنة؟ وعلى أي أساس سيتم التوقيع على الهدنة؟ وما هي معايير الشراكة في هذا الموضوع؟ وهل ستكون حماس ندا للشرعية، وطرفا موازيا لها؟ وأين دور القيادة الشرعية هنا كمرجعية للشعب الفلسطيني؟ وهل يكفي هنا خطاب ذر الرماد في العيون، وتزويق العبارات، التي أدلى بها بدران أمام ممثلي القوى أمس وتضليل القوى السياسية بموقف لا يعكس الواقع على الأرض؟ وإذا كانت حركة حماس جادة بالعودة لكل القوى وخاصة القيادة الشرعية، كيف سمحت لنفسها إبلاغ موافقتها المبدئية على الهدنة؟ أليس هذا تقرير في شأن الهدنة قبل الإطلاع عليها من القوى السياسية، وقبل أخذ موافقتها عليها؟ أوليس هذا تفردا بقرار الهدنة؟
رغم ما تقدم من أسئلة، فإن الذي يثير الكثير من التساؤل والتحفظ على ما يجري، هو كيف يمكن لعاقل أن يقبل معادلة مشوهة للهدنة، في الوقت الذي يجري العمل على تجسير الهوة بين حركتي فتح وحماس لإنجاز المصالحة الوطنية؟ وهل يجوز الفصل بين الهدنة والمصالحة راهنا؟ وكيف يسمح لفصيل بغض النظر عن ثقله السياسي في الشارع بالتوقيع على هدنة طويلة أو قصيرة، وبعد فترة وجيزة يفترض أن تعود حكومة الوفاق الوطني لتسلم مهامها إن صدقت النوايا، وتكللت الجهود المصرية بالنجاح؟ وهنا هل يصبح دور الشرعية الوطنية شكليا أو طربوشا في المعادلة الأمنية والسياسية وغيرها؟ وهل الهدنة بين حركة حماس وحكومة نتنياهو الآن تتوافق وجهود المصالحة الحثيثة، أم أنها تتناقض معها؟ وهل الشرط الفلسطيني والعربي، هو ذاته، الذي كان عام 2014 أو عام 2012، أم مغاير تماما لذلك؟ وكيف يمكن تعزيز دور الشرعية الوطنية، وتعظيم مكانة الممثل الشرعي والوحيد، منظمة التحرير الفلسطينية في المشهد السياسي المحلي والعربي والإقليمي والدولي، بإطلاق يد حركة حماس لتقرر وحدها مع إسرائيل شكل ومضمون وزمن الهدنة، أم بإحالة الأمر للشرعية الوطنية صاحبة القول الفصل في هذا المضمار؟ ... إلخ من الأسئلة ذات الصلة، التي تلقي بظلال سوداء وكثيفة على الهدنة وتداعياتها على المصالح الوطنية العليا، وعلى مستقبل عملية الصراع، وإن كان يمكن الجزم من الآن ومسبقا، لن يستطيع كائن من كان فصيلا أم دولة أو مجموعة دول من تجاوز الشرعية الوطنية، أو تبديد مكانة منظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، ولا تصفية القضية الفلسطينية، وتجارب العقود السبعة الماضية من تاريخ الصراع الفلسطيني والعربي من جهة والإسرائيلي الغربي الرأسمالي من جهة ثانية كفيلة بالرد على كل غير مؤهل في علم السياسة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها